السبت، 7 سبتمبر 2013

موسيقى "كناوة" .. محاولة لفهم حنين الأمكنة، ورحلة البداية!


موسيقى "كناوة" .. محاولة لفهم حنين الأمكنة ورحلة البداية!




جدة: عمر المضواحي

لا أزعم قط أي ثقافة في فن الموسيقى. لقد نشأت، الى الآن، في بيئة تعتبرها مع المرأة صنوان للخطيئة والشيطان في هذه الحياة!.

لكن ثمة مقطوعات موسيقية، فولكلورية على وجه خاص، أشعر بها وبرسالة حروفها السبعة رغم أميتي الموسيقية. وجدت أن أذني قادرة أحيانا، على فك بعض شفراتها، وأن شيئا ما في روحي يستطيع فهم ولو جزء من رسالة العزف أو بوّح العازف.

لا أذكر متى سمعت أول مجموعة دراويش سمر البشرة، يتمنطقون بملابس مزركشة. ربما كان ذلك في بداية الألفية الثالثة في ساحة الفنا في مراكش. كنت أبحث يومها عن خلطة بهارات الطاجينة المراكشية الشهيرة في السوق القديمة. كانت الريح تسرق شيئا من صوت همهمات متعبة، ونوح أوتار آلة عتيقة، لتجبرنا على الإستماع.

كانت الساحة يومها مكتظة بالمرتادين من كل جنس ولغة ولون، يشاهدون من كل عرض شعبي نظرة، ليتابعوا سلسلة مشاهد وصور لا تنتهي. الرقص مع القرود، والثعابين السامة، وفقرات ألعاب الخفة، وباعة عصير البرتقال والليمون، وبسطات أكل رؤوس الخراف المطبوخة في قدور الفخار. باختصار حياة ضاجة بكل شيء، وأي شيء!.

كانت الساحة أشبه بمسرح مفتوح، وكانت النغمات الوترية والنحاسية تتهادى من خلف كل مشهد كموسيقى تصويرية، توافق كل غرائب وعجائب تابلوهات عروض المسرح السحري.

كانوا مجموعة من سبعة رجال فيما أذكر يرقصون وهم يحملون آلات وترية، وأخرى نحاسية، وطبول ودفوف وصناجات، يهمهمون بحناجر متعبة، كأنهم في حلقة جدب صوفية، لا تقيم وزنا للزمان ولا المكان.

لم أفهم كثيرا من أصوات الهمهمة الحزينة. كانت شيئا من عويل مكتوم، ومناجاة لله والرسول. فوضىى خلاقة، تمزج بين النغمة والصوت والأقدام الراقصة..
إنها موسيقى (كناوة) إذن!.

رغم الزحام والضجيج، ومدافعة الأقدام والمناكب، وجدت أذناي تتلقف بعطش ظاهر روح هذه الموسيقى الغريبة، وتحاول أن تفسر السرّ الدفين وراءها.. كأنها كانت تريد أن تقول شيئا لكل أذن عابرة.

شعرت أن "الكناوة" هي موقف حرّ لنفس بشرية ذاقت مرارة ذلّ العبودية. النغمات والأراجيز، تشعل دوما ذكرى الحنين والعودة للوطن الأم. وتحكي شيئا من تعب السنين وقسوة الأيام، ومرارة ترحل قسري طويل من أرض الأجداد ومسقط الرؤوس الجاعدة.

(كناوة) ربما هي أغان للحنين فقط. أو هي تجسيدا عمليا للحظة حيّة متاحة لجحافل الرقيق، لتذوق طعم الحريّة بالغناء فقط. لقد رسمت النغمات صورا لحكاية انتزاعهم من أرضيهم وأحبابهم. كأنهم كانوا يعالجون أرواحهم بها، ويمسحون بها عرق الظلم القديم في مهاجع محطات الإنتظار. وربما كانت موقف الرفض الوحيد الذي يستطيعون إعلانه في وجه غلاظ النخاسين، وسارقي حريّة الإنسان.

موسيقاها تتوشح بنفس صوفي خالص، ومشحونة دوما بتوسلات لا تنتهي لطلب الإنعتاق من قدرهم الحتمي. كأنهم استودعوا في هذه الأغاني والموشحات كل أصوات قيود السلاسل الحديدية، ورنّات سياط الذل والرق الموجعة، ورسموا منها بالنغمة والكلمةوالآهات الحرى، طريق (خلاص) لأرواحهم المتعبة.

الآلة الوترية (الكمبري) صوتها نائح كقصصهم الموجعة، أوتار مشدودة من نياط القلب، تنقر عليها أصابع جفت وهي تشير الى هناك، حيث قِبلة الذكريات المنسية.

الإيقاع أفريقي محضّ، لكنه يحضّ الروح والجسد على الحركة والرقص، ونقر الأرض بالأرجل والسيقان للتذكير دوما بالرحلة الأولى، كي لا تنسى!.

لا بد وأن تكون أقدامهم جاهزة، رغم سلاسل القيود والقهر، كي تكون مستعدة دوما للتحرك باتجاه دروب العودة.. ولا بد أن تكون  شموع الأمل مشتعلة.

انتهى زمن العبودية.. وبقيت الـ (كناوة) كموسيقى موقف حرّ، قبل أن تكون، لضحايا الرقّ والعبودية، تزجية للروح والجسد!.

 

كَأَنَّهُ هُوَ..! ـ 2


كَأَنَّهُ هُوَ..! ـ 2

في كثير من لحظات الكتابة المشحونة بالعواطف ومشاعر العجز، تدمع عيناه بغزارة كصوفي أخطأ الطريق والطريقة. يكاد يسمع نشيجا مكتوما في قصبة القلم تعجز ريشته عن إحاطة وصفها، وترجمتها الى حروف تفصد احتقان المعاني العاصية على التعبير.

سرّ أسرار القلم، شعوره الدائم بالتيه في صحراء الكتابة، كثبانها في الليل والنهار محض سراب، وأهوال معان زائفة. وفي رحلة التيه، لن تحصد سوى كلمات رطبة، ومشاعر جافة، بلا رمق حياة.

منذ 35 عاما، عندما سطر أول قطعة نثرية لحصة التعبير في المدرسة، عرف يومها أن أشجار المعاني وأغصان الكلمات، تبدو ناقصة من غير زهر واعد، تجلب الفراشات والعصافير الى تلافيف دغل حروفه الجافة، وأحراش سطوره المتشابكة.

يومها، قرّر في غرور واضح، أن يبحث عن بغيته تحت جذور هذه الكثبان. وظل يحفر  بلا كلل أو ملل بحثا عن فم نبع الكتابة المقدس.

وحتى هذا الحرف، لا زال القلم ينزف الكثير من الجهد والعرق بحثا عن قطرة من نبع الحبر الذي لم يكتب به أحد. بعد ألف ألف محاولة، ظل في كل مرة يتجشم اجتراح محاولة جديدة.. عناده الممزوج بالأمل والصبر الجميل يمنعانه دوما من الاعتراف بالفشل.

لا يريد أن يكتب يوما على راية بيضاء عبارة استسلامه: تعسّ قلم الطالب، وصعُب المعنى المطلوب!.

التغيير.. وقوانين اللعبة!


التغيير.. وقوانين اللعبة!

لابد وأن تشعر  برغبة متحركة ودافعة للتغيير، من دونها ستكون مجرد فلزّ خامل. تذكر دائما أن التغيير ليس خطوة رفاهية، وأن المحيط حولك ليس مشجعا في الغالب، ولن يدفعك يوما للتغيير.  هذه قوانين اللعبة هنا، وعليك احترامها.
القليل فقط وربما من النادر أيضا، أن تجد يدا تمتد لك من الفراغ لتساعدك على تغيير الدفة. ستشعر بالكثير من غصة الإحباط. عليك فقط أن تتمسك بأحلامك، وأن تؤمن في يقينك بهدفك، وأن ثمة شاطئ هناك في انتظارك، وسترمي فيه يوما مرساة النجاة، واستئناف تحقيق حلمك وهدفك من جديد.
اتخذ قدوة، وكرر المحاولة، لا تستمع إلى بزاغات الإحباط واليأس وكسر العزيمة، حتى لو اضطررت الى أن تهاجر بحلمك الى أقصى بلاد الله الواسعة، من يدريك لعل حظك يصادف  "رياح فلاح " تقود شراعك بين خلجات المدّ والجزر  حتى ترى فنار الفرصة أمامك!.
لا ترمي أبدا حبل المحاولة، وكرر تجربتك، تحمل رمضاء الطريق ووحشته، وثق دوما بخيارك، والاطمئنان الى قرارك الصحيح.
في لحظة التغيير، ستنجلي أمامك كثيرا من معادن من هم حولك. ستكتشف أن أكثر من كنت تعدهم حجارة كريمة ترصع بها جيد حياتك وآمالك فيها، كانت تتعامل معك دوما، في غفلة منك، وفق تركيبها الرئيس؛ مجرد قطعة فحم!.
في لحظات بدء التغيير ستشعر بالوحدة، وبأنك راهب متبتل في صومعة البحث عن الحقيقة. ثق دوما أن الناموس سيعرف طريقه إليك، وسيحمل لك شرارة أمل تكفي لتنير لك طريق بداية جديدة . وثق دوما أن الله معك؛ وأنك لست وحدك!.

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

كَأَنَّهُ هُوَ..!

كَأَنَّهُ هُوَ..!

كَأَنَّهُ هُوَ.. مسودة مشروع لرصد مرحلة صحافية عاشها قلم في محطات كثيرة، بعجرها وبجرها، في مهنة المتاعب. تتوقف عند الخيبات والخسائر، اكثر مما ستفعل في محطات النجاح والمكاسب.

مجردّ صنع مرآة عاكسة، لحياة صحافي عابر في بلاط الصحافة السعودية خلال 20 عاما، تظهر شيئا من تفاصيل البدايات، وشيئا من الشخصيات والمواقف التي حفرت عميقا في ذاكرة ـ أعترف ـ بأنها باتت أقرب الى لعنة النسيان وزهايمر التقدم في العمر!.

ربما ينسى القلم، وأحيانا يتناسى، عن سابق قصد وترصد، تفاصيل قد تلحق ضررا بتلك الشخصيات أو بالمؤسسات، كون هذه التفاصيل تغترف أحرفها من محّبرة الذات، والرأي الشخصي الذي يشوبه، دائما، شيء من شهوة الإنتقام البشري، أو محاولة الإيذاء..

.. وهو يستغفر الله، أن ينتقم أو ينتصر يوما لنفسه. 

المؤكد هنا، أنها رصدّ لمواقف ومبادئ وحكايات، ربما لا تهم أحدا، لكنها لا تهدف الى تزكيّة القلم وريشته، أو وضعه على عتبات منصة عالية لمخاطبة الآخرين باستعلاء من فوق الرؤوس والخواطر.

هي مجرد خواطر وذكريات قررت اللجوء الى سرمدية التدوين، خوفا على مصير حياتها من الفناء والعدم، بفعل عوامل تعريّة السنين والأيام.

اليوم، على وجه خاص، تحول القلم الى مقصّ، وريشته الى شفرة حادة، لتقطع أول ورقة تقويم في رزنامة أيام العقد الخامس من رحلة وتجارب عُمرٍ طال وأستطال، وربما ضاع فيما لا يفيد!.

لن يعد بشيء، سوى قول حقائق تجارب عايشها، في الغالب، عن كثب ومتابعة. ولن يسطرها، إلا بعد بذل جهد جهيد في تمحيصها وتخليصها من كل شائبة، عدا رصانة اللغة وجمالية التعبير.

لم يبق من العمر مساحة للكذب أو التزوير، أو ادعاء بطولات وأقنعة زائفة. ربما يتجمل.. نعم، لكنه أبدا لن يجترح خطيئة الكذب وعواره.

قطعا، لن يهتم القلم بالنتائج ومألات اجتراح التدوين والكتابة. ولن يقع قطّ، في فخ التصنيف وعناء الجدولة والفهارس. سيكتب حراً إلا من قيود المسئولية، متى شاء وأين شاء، عن الزمان والمكان الذي تختاره قوة الذاكرة، وتوفر أسباب ودواعي الكتابة عنه فقط.

ربما يصاب القلم بالوهن، وعوارض الملل والإحباط، ومسئوليات الحياة ومشاغلها اليومية، لكنه عندما قرر البوح والتدوين، وضع لنفسه جدولا يعتمد 365 يوما للانتهاء مما يستطيع حكايته وتدوينه..

ختاما.. ما أقصر العمر، وما أبعد الهدف!. 

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

كرسي متحرك في مدرسة حكومية!

جدة: عمر المضواحي

 

وقعت أحداث هذه القصة في بداية العام الدراسي 1432هـ في مدينة جدة. وهي تعكس وضع الطلاب المعاقين جسديا في المدارس الحكومية في المملكة، الذين يعانون في صمت بين سندان إهمال وازرة التربية والتعليم ومطرقة أولياء أمور يتهربون من تحمل مسؤلية أبنائهم وإحتياجاتهم الخاصة.

أستعدت أحداث هذه القصة من الذاكرة ومسودات أوراقي الصحافية، إبان إدارتي آنذاك مسئولية المركز الإقليمي لصحيفة "الوطن" في جدة، بعد أن قرأت تغريدة صباح أمس للدكتور هيثم طيّب في حسابه المثير للجدل @Haytham_T على جناح الطائر الأزرق #تويتر.

التغريدة عبرت عن سخط الدكتور طيّب من محتوى تقرير صحافي نشرته صحيفة #عكاظ في عدد يوم أمس "الإثنين 2 سبتمبر 2013م" ورد فيه تملصّ إدارة التربية والتعليم عن أي مسئولية ربما تنتج أي إصابات أو وفيات بين طلاب الإحتياجات الخاصة في مشروع الوزارة دمج طلاب الإحتياجات الخاصة في الفصول الدراسية مع الطلاب الأصحاء. ومطالبتها أولياء أمور الطلاب بتوقيع إقرارات خطيّة تخلي مسؤلية إدارة التعليم عن أي حادثة تقع جراء دمج أبنائهم في المدارس التابعة للمنطقة التعليمية. http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20130902/Con20130902633770.htm.

هذه القصة التي حدثت وقائعها قبل سنتين ونصف تقريبا، كنت أعدّها لتحقيق صحافي لـ "الوطن". للأسف لم تنشر بسبب فشلي الذريع في إكتمال أركانها ومعايير نشرها في شكل مهني مكتمل.

البداية كانت من خبر صغير نشر يومها في عدد من الصحف من بينها صحيفة عكاظ، مفاده قيام إدارة تعليم منطقة مكة المكرمة بالتحقيق مع خمسة مدراء مدارس من مراحل تعليمية مختلفة في مدينة جدة إثر دعاوى تقدم بها عدد من أولياء الأمور يزعمون فيها أن المدارس تفرض عليهم تقديم تبرعات مالية للمدارس التي يدرس فيها أبنائهم.

وأشير في تفاصيل الخبر، إحالة أمارة منطقة مكة المكرمة ملف الدعاوى المقدمة إليها الى إدارة تعليم منطقة مكة لإستكمال التحقيقات إثر تلقيها عدة مخاطبات من مواطنين بشأنها، مع شرح لمسؤل بارز في الأمارة يفيد الى أنها خطابات " بنيت على شكاوى سماعية وليس لها إثباتات أو أدلة ثبوتية، ما يستدعى التثبت من القضية برمتها" من خلال الإدارة المختصة في إدارة تعليم المنطقة.

ألتقطت طرف الموضوع، محاولا الوصول الى إحدى المدارس الخمسة محل الشكوى، وبعد عدد من الإتصالات والبحث، تمكنت من الحصول على تفاصيل مثيرة، إضافة الى إسم أحد المدراء الخمسة المحالين الى التحقيق الإداري.

كالعادة، أصطدم التحقيق الصحافي بجدار صلد من التحفظ والممانعة في الكشف عن المزيد من خفايا القصة الخبرية. فقد رفض مدير المدرسة، ومسئولي إدارة التعليم، الخوض في أي تفاصيل إضافية عن القضية خشية المسائلة كونهم غير مخولين رسميا للحديث مع وسائل الإعلام!.

بعد محاولات، حصلت على معلومات موثقة من إحدى المدارس الحكومية التي طال مديرها التحقيق الإداري بتهمة إجبار ولي أمر طالب معاق بتقديم تبرعات مالية للمدرسة نظير قبول إبنه فيها!.

خلصت المعلومات الى التالي:

تقدم والد طالب من ذوي الحاجات الخاصة بطلب إلحاق إبنه (عبدالرحمن) في مدرسة نموذجية للمرحلة الإبتدائية. وطلب من مدير المدرسة الحاق إبنه فيها نظرا الى قربها من بيته، ولما لها من سمعة جيدة كونها أحدى المدارس الرائدة والمطورة في مدينة جدة.

ولكون المدرسة (حكومية) غير مصممة لإستقبال الطلاب المعاقين حركيا، تم إفادة ولي أمر الطالب عبدالرحمن أن المدرسة لا تتوافر على التجهيزات المطلوبة للتعامل مع حالة إبنه المعاق حركيا.

فلا تتوفر بها ممرات خاصة بالكراسي المتحركة، أو مصاعد كهربائية، أو دورات مياة مجهزة للمعاقين حركيا، وغير ذلك من التجهيزات الضرورية، الأمر الذي يصعب من قبول هذه الفئة في المدرسة.

وأمام إسترحام والد عبدالرحمن وإصراره على تسجيل إبنه، وتعذره بأنه مواطن بسيط مستور الحال، وأنه أسقط في يده من كثر رفضّ عدد من المدارس طلبات إلحاق إبنه فيها، وأنه أمام عجزه وقلة حيلته سيرفع شكواه الى الله، وأنه يحمل وضع إبنه المعاق في ذمة المسئولين في إدارة التربية والتعليم وإدارة المدرسة.

حاول مدير المدرسة أن يخفف على والد عبدالرحمن، وشاركه الشعور بمعاناته كأب لطفل معاق، بالقدر الذي يشعر فيه بالمسؤلية على أن يتلقى إبنه حقه الطبيعي في التعليم. مؤكدا له أن قرار قبول إبنه ليس بيده وحده، وأنه لابد وأن يكون للمعلمين رأي في قبوله، نظرا للأعباء الإضافية التي ستطالهم حال قبول إبنه في المدرسة.

 وطلب منه تسليم ملف إبنه، ومراجعته بعد أسبوع للتفكير والمشاورة، ودراسة إمكانية ذلك، مع وعد بمساعدته قدر المستطاع.

قام مدير المدرسة بشرح ملابسات ملف الطالب عبدالرحمن، وعقد إجتماعا مع هيئة التدريس في المدرسة التي تتكون من ثلاثة طوابق، يشغر أعلاها طلاب المرحلة الأولى.

بالفعل وافق المعلمون على تحمل المسؤلية، وتعاملوا مع الموقف بإنسانية وابدوا إمكانية المساعدة والمشاركة بالدعم المادي إن أحتاج الأمر تعاطفا مع طلب مديرهم الذي أبدى حرصه على قبول الطالب في المدرسة.

خلص الإجتماع الى عدة نتائج منها:

·        إحداث فصل دراسي جديد في الدور الأرضي، وتهيئته بما يحتاج إليه من مستلزمات تعليمية من كراسي وطاولات وأجهزة تكييف وسبورة تعليمية وغيرها من الوسائل التي تتوافق مع ظروف الطالب الجديد.

·        العمل على تخصيص إحدى دورات المياه الخاصة بالمعلمين في الدور الأرضي و تهيئته بكافة المستلزمات لتلبية إحتياجات الطالب المعاق.

·        إنشاء مزلاج خاص بالكراسي المتحركة في مدخل الباب الرئيسي الى المدرسة لتسهيل وصول الطالب الى الفصل وخروجه، وآخر في المخرج المؤدي الى فناء المدرسة تتيح مشاركة الطالب في حصص الرياضة البدنية وقضاء الفسحة المدرسية مع زملائه.

·        تهيئة أي جزء آخر في المدرسة يمكن الطالب من الإستفادة من المؤسسة التعليمية بالشكل الأمثل.

بعد أسبوع حضر الأب مع إبنه، وتم وضعه في الصورة العامة للموضوع وإفادته بموقف المدرسة والمدرسين واستعدادهم للقبول بإبنه والمساهمة ماليا بقدر المستطاع في تذليل عملية قبوله.

وطلب منه بيان مدى استعداده للمشاركة في تسهيل قبول إبنه في المدرسة، والمساهمة في إنشاء جسر حديدي متحرك يتم استخدامه لابنه فقط والمساهمة في تجهيز دورة المياه بالشكل الذي يلبي إحتياجاته.

وأبدى ولي الأمر موافقته الكاملة على تقديم الدعم المطلوب لقبول إبنه، وإستعداده توفير جسر حديدي متحرك على السلم الخارجي للمدرسة. لكنه إعتذر من المدير بعدم الحاجة الى تجهيز دورة المياة مفيدا بالقول " لا عليك، لن يحتاج إبني لدورة مياة، وأعدكم بأنه سيحضر وهو مضبط نفسه، الى حين عودته للمنزل!" شاكرا إدارة المدرسة وسخاء المعلمين على موقفهم الشهم والنبيل، ومساعدته في قبول إبنه في المدرسة.

خلال أيام قامت المدرسة باستحداث الفصل الدراسي لإستقبال الطالب الجديد عبدالرحمن. وفي كل صباح شهدت المدرسة صورا تربوية رائعة عندما يتبادر الطلاب والمدرسون في إستقبال زميلهم الجديد، ويحملونه وكرسيه المتحرك معا لتجاوز السلم الأرضي، في الدخول والخروج والفسح الصباحية اليومية.

شعر الجميع أن البركة والرضا النفسي تحقق في المدرسة، وأن روحا تعاونية سادت أجواء المدرسة ودائما وأبدا يكون الطالب "عبدالرحمن" هو بطلها ومحورها الرئيس. كان حضوره واحدا من أكثر الصور الإيجابية التي انعكست على طلاب المدرسة منذ إنشائها.

بعد مرور ثلاثة أشهر، لم يظهر ولي الأمر الطالب عبدالرحمن ولو لمرة واحدة، أنتظر المدير والمدرسون وفاءه بما وعد، وأنتظر إبنه عبالرحمن الجسر الحديدي لكنه لم يحصل عليه!.

في نهاية العام الدراسي، قام والد الطالب عبدالرحمن، بتقديم بشكوى كيدية الى أمارة المنطقة يتهم فيها المدير وهيئة المدرسة بانهم إستغلوا وضع إبنه المعاق، وأنهم طالبوه بتقديم أموال لتنفيذ مشاريع لمدرسة حكومية مدعيا بأنه "ليس أغنى من الحكومة" وأنها مسؤلة على تهيئة كل الظروف المناسبة لحالة إبنه المواطن.

في بداية العام الدراسي الجديد أرسلت إدارة التربية والتعليم في المنطقة فريقا من ادارة المتابعة الإدارية للتحقيق مع المدير وهيئة التدريس عن شكوى ولي أمر الطالب عبدالرحمن، والتحقق من المبالغ المالية التي استلمها المدير منه مقابل قبول إبنه المعاق في المدرسة!.

يومها لم ينشر التحقيق في "الوطن" ... وكانت الحجة دوما.. أن التحقيق الإداري في الشكوى لا زال جاريا!.