الجمعة، 11 أكتوبر 2013



 
مبادرة "معاد".. قصة مكيّة خالصة!



كأن لم يسمر بمكة سامر !
 



د. عبدالعزيز الخضيري وكيل أمارة مكة مستقبلا أول لقاء بالأعضاء المؤسسين
 لمبادرة معاد في قاعة الاجتماعات بمبنى الأمارة في مكة


جانب من أحد لقاءات أعضاء مبادرة معاد في مكة المكرمة


مكة المكرمة: عمر المضواحي
 
في أواخر العام 2011 أتيحت فرصة كافية لقلمي المتواضع للتعاطي مع تويتر، بعد أن هجر الصحف وانحاز للصحافة في شكل لو عرف خاتمته ما كان بدأ.

بعدها، كان الطائر الأزرق هو النافذة المتاحة للتعبير بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة. وكانت الـ 140 حرفا كافية لإبراء الذمّة وتسجيل شهادة لله والتاريخ ـ غير ملزمة لأحد ـ تحمل قناعات ورؤى خاصة تجاه ما يحدث في المكتين بلد الله وبلدة نبيه الخاتم. وهي آخر حاجة بقيت في محبرة (القلم) من مهنة المتاعب!.
في الصحافة المحلية كانت الموضوعات التي تناقش قضايا طمسّ هوية المكتين بالكاد تنشر. حيث تخضع معظمها في مطابخ الصحف الى كثير من الشك والريّبة، ومزيدا من فلاتر وأجهزة تنقية أكثر مما تفعل جميع محطات مؤسسة التحلية في تعاملها مع ماء البحر المالح.
في منتصف العام 2012 كان الموعد يتجدد على صعيد جبل أحد. حيث قام محتسبون جهارا نهارا وتحت حماية أمانة المدينة المنورة بصبّ وابل من الخرسانة الجاهزة على مدخل غار النبي صلى الله عليه وسلم حيث لجأ إليه ونفر من أصحابه بعد إصابته ـ بأبي هو وأمي ـ بشج في رأسه الشريف وكسر في رباعيته أثناء غزوة أحد.
فتح هاشتاق #غار_أحد وبعده #من_يهدم_تاريخنا وجاء الباكون والمتباكون من كل حدب وصوب. كان كلّ هاشتاق أشبه بسرادق عزاء وعويل للبسطاء والقلوب السليمة. لم يحضره أحد من أهل الحلّ والعقد كما كان يؤمل وينتظر. لا سماحة المفتي، ولا عضو واحد من هيئة كبار العلماء، ولا أي من كبار المسئولين في المدينة المنورة.
وظل الغار ـ غار أحد ـ يئن بصمت (حتى اليوم) لا تحت ثقل خرسانة الإسمنت الجاهزة فحسب، بل ومن نظرات التشفي والشماتة ممن يحسبون أنهم آمنوا وعملوا صالحا، ويمنّون أنفسهم بأن لهم جزاء الحسنى!.
كانت قلوب المؤمنين في مكة تبتهل في صلواتها أن يجبر الله كسّر جبل أحد (الذي يحبنا ونحبه)، وهو الشقيق السادس للأخشبين الصفا والمروة، ورحمة عرفات الله، وثور الهجرة، وحراء نور البداية المحمدية.
وتحولت قلوبهم الى مناديل تحاول مسح أحزان مدينة (يتيم مكة) ومهاجره، من أعداء الآثار النبوية وأنصار طمسّها تحت أساسات ناطحات سحاب ومشاريع أبراج إسكان سياحي تخفيها عن الوجود كاثر بعد عين ما بقي ليل أو نهار.
بعد شهور، تجددت أحزان مكة. وبدأت تتسرب المعلومات عن مصير غامض ينتظر سلسلة آثار نبوية ومعالم تاريخية في أم القرى. كانت بلدوزرات الهدم، ولا تزال، أكثر مما بقي من حمائم البيت العتيق. لم تبق جبلا ولا سهلا ولا واديا الا وكانت تنهش كل أخضر ويابس في جوع لا يشبع أبدا.
تحولت مكة بين ليلة وضحاها الى قطعة سكر تحاصرها جحافل نمل شره يمتص روح وريحان كل حلاوتها المقدسة. وكان رقيب النمل، كعادته دوما، متكئا على منسأته غافلا عن كل صوت يجأر حوله بـ يا غارة الله والنبي محمد!.
كان هاشتاق #أوقفوا_الهدم_في_مكة هو أحدث وآخر أبواق النذير يومها. تزاحمت المناكب والأفواه على مبسم البوق لينفخ كل من شاء آهات مكيّة تقطر حسرات وخيبات وطلب نجاة علّ أن تجد أذنا صاغية تنقذ ما تبقى من عاصمتنا المقدسة.
اختلط الحابل بالنابل في الهاشتاق الشهير. حتى كاد صوت الثكالى، يضيع بين فحيح النوائح المستأجرة، وعواء أصحاب أجندات خاطئة تنتظر أي موجة لتصعد معها لتسيء للكيان والوطن وأهله الطيبون.
وجد المبررون وشهود الزور فرصة جديدة، لتشكيك في وطنية وإيمان المطالبين بحماية آثار #مكة ومعالمها التاريخية وأوابد جبالها التي صمدت منذ خلق الله الأرض ومن عليها. وكانت التهم جاهزة، وسرعان ما وصموهم بالبدع وإحياء الشركيات، وأنهم ضالون مضلون عن مقاصد التوحيد بالله الواحد الأحد.
كان المكيّون ـ في وجه خاص ـ الأكثر صوتا وتفاعلا ومشاركة. في تلك اللحظة بدأ جنين #معاد يتشكل مضغة في رحم الغيب والمأساة التي تحيط ببطاح مكة ومقدساتها. جنين لا يعرف أحد غير الله سبب وجوده والهدف منه، وشقي هو أم سعيد.
كان الغبار لا يزال عالقا كغيمة ركامية جاثمة فوق أحياء كاملة تحيط بالحرم المكي إحاطة السوار على المعصم. ولم يكن هناك صوت غير هدير البلدوزرات. وكان الدمار هو المصير الحتمي لكل شيء في قلب مكة وكان موقف المبررون وشهود الزور أقسى على أهل أم القرى من فولاذ أسنان المجنزرات وأصابيع الديناميت المدويّة.
خلال سنوات قليلة، تم إزالة أكثر من عشرين ألف عقار بين منازل وأسواق ومساجد ومدارس ومستشفيات وطرقات عامة وغيرها. فقدت مكة الكثير من هويتها المقدسة بما فيها من آثار ومعالم وحياة مجاورين لبيت الله العتيق.
وبات هديل حمام البيت آخر صوت بكاء يتردد بين الأخشبين والبطاح المقدسة. كانت مكة، ولا تزال تبدو كيتيم لا ملجأ له ولا ناصر غير الله!.
تعددت الهاشتاقات، وكثر النافخون في أبواق التحذير والمناشدة، مع بدء الحديث عن هدم الرواق العثماني، ثم تبعه موقع المولد النبوي، قبل أن يصل الأمر الى بئر طوى، حيث مغتسل النبي في فتح مكة، ومن قبله سبعين نبيا نهلوا من ماءه العذب، وأزال عنهم شعثّ وغَبرّ وعثاء سفرهم الى بيت الله العتيق.
كانت الأصوات أقوى وأصدق أثرا هذه المرة. فالرواق العباسي ومكتبة مكة المكرمة وبئر طوى كغيرها خطّوط حمراء لا تقبل الذاكرة المكيّة المسّ بها، وبات صوت الاستغاثة يتسع شيئا فشيئا حتى أيقظت عيونا غارقة في وسن النوم والغفلة، وأسمعت آذانا لاهية عن غضبة رجالات البلد الأمين ونساءه.
كان المستغيثون يشكلون نموذجا مصغرا عن فسيفساء المجتمع المكيّ بكل تفاصيله وتنوعه المثير. وجاءوا من مشارب ثقافية وعلميّة وعمليّة شتى. لا تربط معظمهم علاقة أو معرفة سابقة ببعض. كان حبّ مكة هو القلب، والعروة الوثقى التي ألتف حولها الجميع في عزم وصبر جميل.
هذا التنوع في الأصوات أتاح تقديم معلومات دقيقة وموثقة، وطرحوا آراء ورؤى لا تقبل الجدل والإنكار. وسرعان ما تهاوت الحجج المضادة وبات التشكيك فيهم وفي قضيتهم ضربا من الافتراء والكذب على الله والحقيقة.
قبل نحو عشرة أشهر تقريبا، تبادل د. عبد العزيز الخضيري بصفته مهتما بالتنمية المستدامة ـ لا وكيل أمارة مكة ـ وعن سابق معرفة، بضع تغريدات مع المهندس جمال شقدار عبر لسان الطائر الأزرق. ولفته أن م. شقدار كان من بين المغردين في معظم الهاشتاقات المكيّة، وراق له أسلوب تغريداته التي كانت ولا تزال تتسم بالمعلوماتية والحكمة والوطنية.
تمكن د. الخضيري وصديقه م. شقدار (بتوفيق الله) من تطوير النقاش ونقله الى مسار إيجابي. قال له: أتابع الأصوات المستغيثة وأجد فيها ما يستحق الوقوف عليها. أريد أن أسمع منكم مباشرة، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا!.
خلال أيام انتشرت رسائل م. شقدار الخاصة في بريد عدد من الناشطين في الهاشتاقات المكيّة. وتبرع الوجيه المكي د. فايز بن صالح جمال أن يتم التحضير للقاء الرسمي في داره العامرة. وأولم للحضور بكبش سمين.
تقدم اللقاء الأول لأعضاء مبادرة معاد  السيد د. سمير برقة، و م. أنس صيرفي، وغسان نويلاتي، وحسن مكاوي، ومحسن الشيباني، وحسن شعيب، وعصام مدير، وممدوح طيب، والسيد محمد علي يماني، و م. مجاهد شقدار، وآخرون لا تسعف الذاكرة أسمائهم.
تم الاتفاق على تنفيذ عرض موجز لمقام إمارة مكة يوضح في إيجاز غير مخلّ الآهات المكيّة حول الآثار النبوية والمعالم التاريخية مزودة بالصور والشروحات اللازمة. وتم تزكية د. فائز أن يكون الأب الروحي للمبادرة بعد عدة اجتماعات في مكة وجدة.
كان د. عبدالعزيز الخضيري يصافح الوفد باحتفاء ظاهر، قبل أن يستضيفهم في قاعة الاجتماعات الذكيّة في مبنى الإمارة في مكة. وسرعان ما أتسعت حدقتا عين وكيل الأمارة إعجابا وتقديرا من حجم المعلومات وخلفية كل عضو شارك في حضور اللقاء، قبل أن يقطع وعده بالدعم والمساندة لإنجاح روح المبادرة حتى النهاية.
تكررت بعد ذلك اتصالات ولقاءات مختصرة بوكيل امارة مكة. قبل أن تشمل لاحقا عددا من كبار المسؤولين في الأجهزة الحكومية. حيث انتهى فريق المبادرة، بعد أن توسع عدد أعضاءها بنخبة كريمة شملت م. حسن عبد الشكور، وصالح أنس صيرفي، و م. إبراهيم كلنتن وآخرون.
كان كل رجل منهم بألف رجل (حاشا كاتبه والله) وبذلوا من الوقت والجهد والمال والعمل ما تعجز الكلمات عن وصفه شهادة لله وإعطاء كل ذي حق حقه. قام رجالات "معاد" بعمل تصاميم هندسية خاصة لكل من مولد النبي، وبئر طوى، وعدد من المساجد والمقابر التاريخية في شكل يتكامل مع كلّ تصاميم المخطط العام لمشاريع التوسعة وتطوير مكة.
وتبرع أ. ممدوح طيب بالتعاون مع م. حسن عبد الشكور في توثيق إحداثيات لكل أثر ومدر ثابت في السيرة النبوية وتاريخ مكة لإسقاطه على الخرائط الرسمية لمنطقة مكة في شكل يحافظ عليها عند التفكير مستقبلا بأي تطوير يشمل موقع أثري نبوي أو تاريخي في جغرافية البلد الأمين.
وتحمل م. أنس الصيرفي الى جانب التصاميم الهندسية أعباء كلفة تدقيق كتاب شفاء الغرام التاريخي، وأسند المهمة الجبارة على كتفي الوراق المكي أ. غسان نويلاتي صاحب المكتبة المكيّة لإنجازها في أقرب وقت ممكن.
فيما كان السيد د. سمير برقة حمامة السلام، ولسان صدق للمبادرة الى جانب دوره المؤثر في تنظيم رحلات دورية نافت على 400 رحلة للتعريف بكل المعالم النبوية والتاريخية من تخوم الشمال في مدائن الحجر والعلا، مرورا بالمدينة المنورة وطريق الهجرة، وصولا الى آثار مكة وأوابدها.
وكان أ. حسن المكاوي و أ. محسن الشيباني أقلام صدق في التعريف بالمبادرة عبر موقع قبلة الدنيا، وتنسيق اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، ومن ثم لاحقا عبر إنشاء حسابات خاصة لمبادرة "معاد" في تويتر ويوتيوب والفيس بوك، للتعريف بها وبنشاطها المدني التطوعي،
كان أهم ثمرات "معاد" إعداد فيلما وثائقيا يوضح رؤيتها وأهدافها كجمعية تطوعية تندرج تحت الحراك المدني، وتنفرج على كل من يستحسن رؤيتها العامة لمستقبل بلد الله الأمين، وكان الفلم رسالة قوية التأثير في كل من شاهده، وانهمرت طلبات الالتحاق بالمبادرة والمشاركة فيها بأي جهد أو عطاء ممكن.
خلال الأشهر الثمانية المنصرمة التقى فريق مبادرة "معاد" بكل من أمين العاصمة المقدسة د. أسامة البار، وأمين هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة د. سامي براهمين، ومسؤولين كبار في كل من شركة بن لادن، ومعهد الملك فهد لأبحاث الحج وهيئة السياحة والآثار الوطنية وغيرها. وكانت البركات وفيوض القبول الربانيّة حاضرة في توفيق كل لقاء ومناسبة.
وكانت أولى الثمرات المباركة لمبادرة "معاد" التي تنمو ببركة الدعاء وحرصّ أصحاب القلوب السليمة.، حماية بئر طوى من أسنان البلدوزرات وفق شروط حماية صارمة وجدت تأييدا من الجميع، وكانت وعود الدعم والمؤازرة تملئ سلال اللقاءات المثمرة يوما بعد آخر.
وتلك قصة أخرى، يطول الحديث عنها لاحقا!.  
 



الاثنين، 7 أكتوبر 2013

 
قراءة في مفاتيح الكعبة وبابها الأول والأخير..
 
من الملك تُبّع أبي كرب الحميري الى الملك فهد بن عبدالعزيز


باب الكعبة المشرفة  الحالي



ملاحظة: تلقيت قبل قليل إتصالا كريما يوضح حاجة هذه التدوينة الى تدقيق فيما يتعلق بأبواب الكعبة في العهد السعودي. فلزم التنبيه الى حين مراجعة المعلومات مرة أخرى مساء اليوم إن شاء الله. المحرر
  
مكة المكرمة: عمر المضواحي

تسلم البارحة (غرة شهر الحج 1434هـ ) كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي من يد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي د. عبدالرحمن السديس النسخة الثامنة من كيس مفتاح الكعبة المشرفة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله. جاء ذلك خلال مراسم حفل تسليم كسوة الكعبة جريا على العادة السنوية في مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
الكيس والمفتاح الحالي لباب الكعبة المشرفة (صورة خاصة بالمدونة)
 
كيس المفتاح نسج من الحرير الأخضر على بطانة من افخر انواع القطن المصري طويل التيلة. يحف الكيس في شكل مستطيل زخارف نباتية متكررة في كل طرف منه وفي وسطه كتبت آية قرآنية بحروف بارزة بخيوط وأسلاك من الذهب والفضة " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " وفي الوجه الآخر وعلى ذات النسق كتب اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر بصنع الكسوة وكيس المفتاح مع سنة نسجه هذا العام 1434هـ، ليحمل اسمه طوال فترة عهده كملك للبلاد.

في هذه التدوينة نلقي الضوء على جانب من تاريخ أقفال ومفاتيح الكعبة المشرفة، وأول من قام بوضع باب وقفل على بيت الله العتيق، وعلى مفاتيح الكعبة المعروفة اليوم وهي تسع وخمسون مفتاحا فقط منذ أن رفع النبي إبراهيم الخليل بمعونة ابنه إسماعيل قبل نحو ستة آلاف سنة قواعد بيت الله العتيق في قلب واد غير زرع يخترق جبال مكة المكرمة.
 
جزء من أقدم قفل معروف لباب الكعبة يعود للقرن الثالث الهجري.
 
وتعد المجموعة الأثرية لمفاتيح وأقفال باب الكعبة هذه من أندر وأثمن قطع الفن الإسلامي المعروفة اليوم. ويعود تاريخ صنع أقدمها الى العصر العباسي في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي. وأحدثها ـ قبل المفتاح الذي يحتفظ به الآن كبير السدنة ـ موجود ببابه وقفله في المتحف الوطني في العاصمة السعودية الرياض. لكنه ـ بحسب اطلاعي المحدود ـ لا يأتي له ذكر في جميع وثائق تسجيل مفاتيح وأقفال باب الكعبة المشرفة خارج المملكة.


مجموعة من مفاتيح الكعبة القديمة


وجميع هذه المفاتيح والأقفال التي صمدت من الضياع والتلف، معروف مكانها ونوع مادتها وتاريخ صناعتها، وأسماء من عملها من الخلفاء والملوك والسلاطين على سبيل الإهداء للكعبة المشرفة خلال إحدى عشر قرنا الماضية. منها 53 مفتاحا في متحف طوب قابي في اسطنبول، واثنان في مجموعة نهاد السعيد الخاصة في الرياض، ومثلهما في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والأخير في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

في التاسع من شهر أبريل 2009 بيع مفتاح للكعبة المشرفة يعود الى القرن الثاني عشر في مزاد صالة سوذبي في لندن بمبلغ 9.2 مليون جنيه إسترليني (18.1 مليون دولار) مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا لقيمة عمل فني إسلامي يباع في مزاد. كان السعر المبدئي للمفتاح يقدر بنحو نصف مليون جنيه إسترليني فقط.

لكن بعد اسبوعين من إعلان البيع لشخص مجهول ـ كان سيعد المثال الوحيد المعروف على ملكية فرد لمفتاح الكعبة ـ تراجعت سوذبي عن البيع، وأعادت  المفتاح الحديدي الذي يبلغ طوله 37 سم لمالكه الأصلي بعد أن إكتشف خبراء الفنون الإسلامية إنه ليس أصليا بالنظر الى شكوك حول شكل الخط الكوفي المنحوت في جسم المفتاح، واخرى حول قدمه أيضا.
 
باب الكعبة القديم في المتحف الوطني في الرياض (الاقتصادية)
 
يؤكد الشيخ عبد الملك بن طه الشيبي شقيق كبير السدنة الحالي أنه تم تغيير باب الكعبة المشرفة مرتين منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة قبل نحو 83 عاما. وأن لباب الكعبة الحالي مفتاحا وقفلا واحدا استمر العمل به طوال العهد السعودي وحتى اليوم. وأوضح أن الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله قام في العام 1398هـ  باستبدال آخر باب عثماني للكعبة المشرفة وتغيير قفلها ومفتاحها الذي أمر بصنعهما السلطان عبد الحميد خان في سنة 1309هـ الموافق لعام 1891م.

في العام 1417هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله باستبدال باب الكعبة وصنع آخر جديد، مع إبقاء قفله ومفتاحه، بعد أن شرفه الله بمشروع ترميم كامل وشامل لبناء الكعبة المشرفة والذي دشنه ولي العهد آنذاك (الملك الحالي) عبدالله بن عبدالعزيز.
 
مفتاح باب الكعبة الحالي (صورة حصرية للمدونة)
 
وأوضح الشيخ عبد الملك الشيبي أن بابي الكعبة في العهد السعودي وقفلها ومفتاحها الحالي تمت صناعتهما بالكامل في مكة المكرمة على يد شيخ الصاغة فيها الشيخ محمد بدر رحمه الله. حيث قام بنقل القفل والمفتاح الحديدي القديم الذي صنعه بنفسه في عهد الملك خالد بنفس مواصفات قفل الباب الذي يعود إلى عهد السلطان عبد الحميد. وقام بتلبيسه مقبض المفتاح بالذهب الخالص قبل إعادة تركيبه مجددا على باب الكعبة الحالي بما يناسب تصميمه ومع زيادة ضمانة الإغلاق دون الحاجة إلى صيانة.

وينفي الشيخ عبد الملك احتفاظ سدنة بيت الله العتيق بأي نسخة من مفاتيح أو أقفال قديمة للكعبة المشرفة. مؤكدا أن كبار السدنة طوال تاريخهم يحملون مفاتيحها فقط، ويقومون باستلام الجديدة وتسليم القديمة للخلفاء والسلاطين والملوك الذين يأمرون بصنعها للكعبة طوال الحقب والعصور الإسلامية السابقة.
 
الشيخ عبدالملك الشيبي وبيده صورة جده السادن عبد الله الشيبي  (خاصة وحصرية)
 
ويفسر شقيق سادن الكعبة المشرفة سبب تعدد مفاتيحها وأقفالها في عهد الخلافة العثمانية بأنه يعود الى قيام كل سلطان أو خليفة عند توليه مقاليد الخلافة يأمر بعمل مفتاح وقفل جديد يحمل اسمه ويبعث به على سبيل الإهداء للكعبة المشرفة، إظهارا لنفوذه السياسي كخليفة لعامة المسلمين، فضلا عن دلالة فكرة الرعاية والعناية والحرص وعالي التقدير لكل ما يتصل ببيت الله الحرام.

تبع الحميري وأول باب للكعبة

وترجح كتب تاريخ الكعبة المعظمة أن الملك تبّع اليماني أبي كرب أسعد الكامل الحميري (220 قبل البعثة النبوية ) كان أول من جعل للكعبة باباً يغلق بضبة (قفل له مفتاح) ولم يكن يغلق قبل ذلك. وأورد كثير من مفسري القران الكريم أنّه هو وقومه المعنيين في قوله تعالى {أهم خير أم قوم تبُّع{ وقد قيل فيه شعرا يؤكد فعله ويصف قدومه الى مكة وما صنع في بيت الله العتيق:

وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء معضدا وبرودا
فأقمنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابه إقليدا

كما أن تبع الحميري هو أول من كسى الكعبة المشرفة بالكامل بالوصائل والحبرات. والقصة معروفة في تاريخ كسوة الكعبة المشرفة.
أحد المفاتيح القديمة لباب الكعبة
 
وفي مجموعة أقفال الكعبة المحفوظة في دائرة البردة الشريفة ضمن ما عرفت باسم (الأمانات المباركة) بمتحف طوب قابي في إسطنبول جزء من قفل خشبي بطول 23 سم، وعرض 7 سم وسمك 6.5 سم يرجع الى العصر العباسي في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي ويعتقد أنه أقدم أثر مسجل علميا كقفل لباب الكعبة المشرفة. (صورة جزء من قفل)

لكن أقدم مفتاح كامل لباب الكعبة، موجود ضمن مجموعة الأمانات المباركة من النحاس الأصفر عليه كتابات مكفتة بالفضة ويعود تاريخ صنعه الى شهر رمضان العام 506 هـ (1112م) في عهد الدولة العباسية.
 
كتاب شاف وواف عن مجموعة مفاتيح الكعبة في متحف طوب قابي في استنبول.
 
وفي كتاب "الكعبة المشرفة دراسة أثرية لمجموعة أقفالها ومفاتيحها المحفوظة في متحف طوب قابي باستانبول وهو من تأليف د. طرجان يلماز الأستاذة المشاركة في كلية الآداب بجامعة استانبول وأمينة جناح التحف المعدنية بمتحف طوب قابي بين عامي (1975 ـ 1980م) شرحا وافيا وغير مسبوق عن كل المجموعة الكاملة فيه، وهو مزودا بالصور والرسومات والشروح والتعليقات لكل قفل ومفتاح على حدة.

وترجم الكتاب الى العربية تحسين عمر طه أوغلي لصالح مركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول التابع لمنظمة العالم الإسلامي (آرسيكا) والذي يعتبر أول كتاب في اللغة العربية يتناول قصة وتطور مفاتيح الكعبة، ومحاولة جادة لتوجيه الأنظار الى موضوعه الذي لم يكتب عنه الكثير.

وصول محمل كسوة الكعبة قديما الى مكة المكرمة

وجاء في المدخل التاريخي للدراسة التحليلية للمجموعة الكاملة أن مفاتيح وأقفال ابواب الكعبة المشرفة كان يخصص لاستقبالها بعد انتقال مقاليد الحكم الى عهد الخلافة والدولة العثمانية (600 عام) احتفالا مهيبا وموكبا خاصا يسمى (موكب المفتاح) يتضمن بروتوكولات خاصة عند وصوله الى قصر الخليفة العثماني في إسطنبول وهو لا يقل اهمية من الاحتفالات العثمانية الأخرى التي كانت تقام بمناسبة إرسال الصرة والمحمل الشريف الى الأراضي الحجازية.

كما كانت الأقفال والمفاتيح الجديدة التي ترسل الى باب الكعبة تتقدم المحمل الخاص بـ (كسوة الكعبة) وفق نظام دقيق وعناية لافتة ـ خاصة عندما دخلت الدولة العثمانية مرحلة ضعفها ـ كونها ترمز وتؤكد على أن السلاطين العثمانيين هم حكام مكة والمدينة وخلفاء الإسلام والمسلمين.
 
أحد مفاتيح الكعبة القديمة في مجموعة متحف طوب قابي.
 
ونبه الكتاب الى أن أقفال ومفاتيح الكعبة حفظت سجلا تاريخيا ليس لتطور وصناعة التعدين الإسلامية على مر العصور فحسب، بل وتطور تاريخ الكتابة والخط العربي كون الكتابات على الأقفال والمفاتيح هي عنصر الزينة الأساسي، الى جانب توثيق متسلسل للزخارف والنقوش الإسلامية بأنواعها ووفق مدارسها المختلفة.

كما يفسر مراجع كتاب د. طرجان يلماز في مقدمته الضافية وهو الخبير في مركز الأبحاث السيد أحمد محمد عيسى ونائب رئيس مجلس إدارته، وجود اكثر من مفتاح يحمل كل منها نفس تاريخ الصناعة يرجع في الأغلب الى أن للكعبة بابين: أحدهما هو الخارجي المعروف، والثاني الداخلي وهو في جوف الكعبة (خلف الركن العراقي) ويسمى باب "التوبة".

واشار عيسى الى أن هناك من المفاتيح مالا يحمل أي إشارة تدل الباحث على أنه عمل من أجل باب الكعبة أو من اجل أحد ابواب المسجد الحرام او الروضة المطهرة في المدينة المنورة.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ين عبدالعزيز أمر في منتصف شهر  محرم الماضي (1434هـ)  بعمل قفل جديد ومفتاح خاص تصنع من الذهب الخالص وعلى نفقته الخاصة لباب الكعبة الداخلي "باب التوبة" الذي تم تركيبه بعد الإنتهاء من الترميم الشامل لبناء الكعبة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز (كان محله ستارة من الحرير الأحمر تخفي وراءها سلّم معراج يؤدي الى سطح الكعبة).
مفتاح باب التوبة الى اليمين فمفتاح مقام ابراهيم والى يساره مفتاح باب الكعبة (من مجموعة الفوتغرافية سوزان اسكندر)
ووجه الملك عبدالله أمير منطقة مكة خالد الفيصل بتركيب القفل الجديد للباب الداخلي في منتصف شهر محرم الماضي 1434هـ بعد إنتهاء موسم الحج الماضي وتسليم مفتاحه الجديد لكبير سدنة البيت الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي. وبهذا يكون المفتاح الثالث في حوزة سادن الكعبة الى جانب مفتاح الباب الرئيس لها ومفتاح خاص بمقام إبراهيم عليه السلام الذي يعد من وظائف ومهام حجبة بيت الله العتيق.