الأحد، 20 يوليو 2014

شرورة وحكايتها مع العطش بين جدب الصحراء وغرق السيول!



شرورة وحكايتها مع العطش بين جدب الصحراء وغرق السيول.

شرورة: عمر المضواحي

إذا كان الماء يغمر ثلاثة أرباع العالم، فإن مدينة "شرورة" تقع في قلب الربع الجاف من الكرة الأرضية. حكاية العطش مع شرورة ـ أقصى الجنوب الشرقي ـ تشبه جغرافيتها القاسية. وهي بالرغم من شح الأمطار فيها، إلا أنها وبسبب تضاريس أراضيها المنخفضة تواجه مشكلة دائمة مع السيول المنقولة، مما يجعل حكايتها مع الماء ساخرة ومتناقضة بين الجدب والغرق!.
تقع شرورة على خطوط طول 27ـ17 شمالا و 09ـ47 شرقا. تحيطها كثبان الرمال من ثلاث جهات، فيما تحدها صخور بركانية تتمدد تحت الرمال في اتجاه الجنوب وصولها إلى سلسلة جبال الأحقاف الشهيرة.
ويشاع أن سبب تسمية المحافظة يعود إلى قدح الشرار نتيجة احتكاك هوادج قوافل الإبل القادمة من بين الصخور البركانية في الجنوب. وقيل بل من شدة انعكاس حرارة الشمس على الرمال حتى أنها لتبدوا مشتعلة لكل من ينظر إليها.

في المجالس والمنتديات الأهلية هناك أربعة قضايا رئيسية تدور حولها الأحاديث لتزجيّة الوقت في مناقشات مفيدة حول احتياجات المحافظة التنموية، ويشارك الجميع في طرح الحلول لها بلا كلل أو ملل. انقطاع تيار الكهرباء في فصل الصيف جراء الأحمال الكبيرة، والنقص الهائل في عدد رحلات الطيران من وإلى مطار شرورة، ومشكلة تصريف مياه السيول!.
لكن لا حديث يعلو أبدا عن حكاية العطش، فهو عنوان الحياة الرئيس، وكبرى المعارك الأزلية التي يخوضها السكان ضد جبروت الصحراء المحيطة. وللأسف، لا يبدو أن لهذه الحكاية نهاية في المدى المنظور.. ومن هنا تبدأ القصة:

خزان المياه الجديد في قلب الصورة ويبدو الخزان القديم الى اليسار

عطش شرورة
هناك ثلاثة مصادر لتوفير المياه اليومية اللازمة لنحو مائة ألف إنسان يعيشون في هذه المدينة الجافة، وجميعها تعتمد على آبار ارتوازية بعمق يتجاوز ألف متر في قلب الصحراء. لكنها مياه مالحة وعسرة وتشوبها الأتربة مما يجعلها غير صالحة للشرب، بل للاستعمالات المنزلية فقط. هذا الشح في توفير المياه الصالحة للشرب، خلق سوقا واسعة لعبوات المياه المباعة في البقالات والمراكز التسويقية واعتمادها للشرب والطبخ في المنازل.

أحياء سكنية جديدة بدون شبكات أرضية للمياه

معظم الأحياء السكنية في شرورة، باستثناء حي السلطانة والعزيزية لا تتوفر لها بنية تحتية كاملة، وغير متصلة بشبكات مياه محلاة ونقية. وتعتمد جميعها على شراء  المياه عن طريق الصهاريج المتنوعة الأحجام والأسعار. ويلجأ معظم السكان الذين يعتمدون على مياه هذه الآبار المالحة إلى تركيب أجهزة تنقية لمياه منازلهم من السوق المحلي. وبرغم غلاء نوعيات هذه الأجهزة إلا أنها الحل الوحيد والأقل كلفة للحصول على مياه محلاة قابلة للاستخدام البشري.
من الجدير ذكره هنا أن جميع مواقع القطاعات العسكرية ومساكنها تتوفر على آبار خاصة لتوفير المياه لأفرادها، وكذلك المستشفيان العام والعسكري التي يتوفر لكلاهما على محطات تنقية خاصة باحتياجاتها.

بئر الجمعية الخيرية في شرورة معطل منذ شهرين رغم تغطيته لنصف حاجة السكان للمياه


الجمعية الخيرية
تحمل جمعية البر الخيرية على عاتقها توفير 50% من حاجيات سكان شرورة للمياه عبر إشرافها على بئر ماء غزير لكنه غير صالح للشرب بسبب احتواءه على شوائب أتربة وأملاح كبريتية عالية التركيز.
يقول الأهالي أن هذه البئر ـ رغم ملوحة مياههاـ شريان رئيس لاستمرار الحياة هنا. وعند تعطل مضخاتها ـ وهذا يحدث مرارا مع الأسف ـ يرتفع سعر صهريج المياه حمولة 12 طن إلى أربعة أضعاف من 50 ريال إلى 200 ريال للصهريج الواحد.
بالوقوف على موقع بئر الجمعية الخيرية كانت متعطلة، وخالية من الناس والصهاريج، ويقال أن عطل أصابها منذ نحو شهرين ولم تتم صيانته حتى الآن. الحديث عن مؤامرات تحاك ضدّ هذه المضخة الكهربائية شائع بين ألسنة الناس. وهم يتهمون عصابات الماء الذين يضعون قليلا من السكر في ماكينة المضخة لتتعطل ومن ثم تستفيد العصابة من رفع سعر الماء. لكن لا يقدم أي منهم دليلا واحدا على صحة روايتهم.


صهاريج المياه تقف أمام بئر حي صوعان في شرورة


آبار البلدية
المصدر الثاني للمياه تأتي من خمسة آبار  تابعة لبلدية محافظة شرورة، والتي لا يعمل منها الآن غير بئرا واحدة فقط معروفة باسم (حيّ صوعان) لكنها كافية لتغطية نحو 30 % من حاجة السكان. وتشهد مضخة البئر زحاما يوميا بسبب تعطل بئر الجمعية الخيرية، وحاجة الناس للمياه في شهر رمضان المبارك.

محطات أهلية
من اللافت في شوارع المحافظة انتشار صهاريج مياه صغيرة الحجم تابعة لأربعة محطات تنقية أهلية تتولى إيصال المياه الصالحة للشرب للمنازل وتعبئة الجوالين الفارغة سعة 20 لترا بمبلغ ريالين لكل جالون. وبالرغم من عدم قانونية عمل هذه المحطات ـ حسب تعليمات وزارة المياه والشركة الوطنية للمياه ـ إلا أنها تعد المصدر الثالث والرئيس للحصول على مياه منقاه وصالحة للاستهلاك البشري.


مصلى في طريق الوديعة وبجانبه صهريج لتوفير مياه للوضوء


الماء.. الماء
ويتحدث الأهالي بحسرة عن أسباب توقف مشروع جلب المياه من قلب الربع الخالي الذي بدأه الأمير مشعل بن سعود الأمير السابق لمنطقة نجران في العام 1428هـ، وتخصيص مجموعة آبار منها لمحافظة شرورة وإنشاء محطة تنقية ثلاثية لتحلية وتعقيم المياه على مسافة لا تزيد عن 10 كم منها على طريق الخرخير.

لكن العمل لم يبدأ بهذه المحطة رغم اكتمال إنشاءاتها منذ 3 سنوات مضت. ويقول الأهالي أن سبب توقف المشروع جاء نتيجة مشكلة غير واضحة بين جهات حكومية لم تتمكن حتى اليوم من تجاوزها، بالرغم من عطش لسان شرورة وجفاف حلقها.
 
إطار ( 1 )
 
خالد بن حمد آل عجيان يشرح حالة مياه آبار محافظة شرورة ومراكزها التابعة لها.
 
فلتر بـ عشرون ريال يقف أمام رواج أجهزة منزلية لتنقية المياة!
تعج أحياء وأسواق محافظة شرورة بالمطاعم والمقاهي الشعبية التي تستخدم بالتأكيد مياه الآبار المحلية. ويدور شك كبير في نوعية المياه المستخدمة لتجهيز الأكلات والمشروبات التي تقدمها للزبائن. وللأسف لم تتمكن صحيفة مكة من الحصول على تصريحات للمسئولين للوقوف على تأثير استهلاك المياه غير الصالحة للشرب على الصحة العامة لسكان المحافظة.
في شارع الثلاثين التجاري يتوسط متجر هو الوحيد من نوعه لبيع وتسويق أجهزة منزلية لتحلية وتنقية المياه بطاقة تتراوح بين 50 ـ 75 جالون يوميا، وتكلف عملية تركيب جميع الأجهزة الخاصة بالشرب والخزانات العلوية نحو 2000 ريال للمنزل الواحد.       
يقول خالد بن حمد آل عجيان مدير المتجر أنه كانت هناك خمسة محلات لتسويق أجهزة التحلية المنزلية، لكنها أغلقت جميعها نشاطها بسبب عدم الإقبال عليها. أضاف: واصلنا العمل بالصبر والتسويق لمنتجاتنا منذ العام 1422 هـ وحتى الآن.. مؤكدا أن هناك نموا ملحوظا في إقبال السكان عليها بعد تعرفهم على أهميتها خاصة لتنقية مياه الشرب.
يضيف خالد البريكي عندما افتتحنا المحل طلب منا وكيل الشركة المنتجة لهذه الأجهزة عينات للمياه في شرورة. وبعد تحليلها في معامل الشركة في الرياض اتضح ارتفاع نسبة الكبريت فيها، كما أن درجة ملوحة المياه تصل إلى 650 ملم وفيها أتربة وشوائب. ونصح خبراء الشركة بنوع يقوم بمعالجة ثلاثية للمياه، كي تكون صالحة للشرب والاستخدامات المنزلية.


أجهزة منزلية لتنقية مياه الشرب
  المشكلة إن تصفية مياه الآبار من الأتربة والشوائب تستلزم تغيير الفلتر القطني كل 25 يوم فقط وليس كل شهرين كما تشير مواصفات صناعة الأجهزة. ودائما ما يواجهون انتقادات وعدم رضا الزبائن بسبب سرعة اتساخ الفلتر الأول بالأتربة والشوائب، وتغييره بسعر 20 ريالا كل شهر.

بئر مياه مركز الوديعة الحدودي

ويشير خالد إلى أن نسبة ملوحة مياه آبار مركز الوديعة الحدودي أعلى بكثير من ملوحة آبار محافظة شرورة. وعندما يذهب المختصين في متجره لتركيب أجهزة تنقية لمنازل سكان مركز الوديعة يجدون دائما أن أنابيب المياه في المنازل منتهية الصلاحية بسبب ترسبات الأملاح والشوائب فيها.
 
 
إطار ( 2 )
 
بوابة مطار محافظة شرورة المحلي
 
مطار شرورة يستقبل رحلتان يوميا.. ويغلق أبوابه في التاسعة صباحا!
مطار شرورة المحلي بكثافة التشجير فيه، يبدو كرئة خضراء في جسد المدينة الصغيرة التي يصفها الأهالي هنا بعروس الربع الخالي، أكبر منطقة صحراوية في العالم. لكنهم يكادون يجمعون قي قول واحد أن المطار في وضعه الحالي وبتقليص عدد الرحلات فيه منذ 3 سنوات، يكاد يكون قبضة ثقيلة تطبق الخناق على رقبة الحياة في شرورة كون موقعها بعيد جدا عن المدن الرئيسية، وخاصة الرياض التي تتوفر على المستشفيات التخصصية ومقرات الوزارات والجهات الحكومية.
وبحسب شهادات الأهالي المتضررين يقولون أن المشكلة مزدوجة مع السفر الجوي بين شرورة وأي مطار محلي أو خارجي، بسبب أنهم لا يستطيعون ترتيب حجوزات العودة إلى مدينتهم من دون قضاء ساعات طويلة في مطاري الرياض وجدة في انتظار الرحلة الوحيدة التي تقلع فجرا، والتي لا يزيد سعتها عن 66 راكب فقط عبر طائرات إمبراير الصغيرة خمسة أيام في الأسبوع، ورحلتان يومي الأربعاء والجمعة لطائرات الإيرباص 320 بسعة 120 مقعدا فقط.
وهم يؤكدون أن المطار المحلي يغلق أبوابه في الغالب الساعة التاسعة صباح كل يوم، بعد أن يستقبل ويودع يوميا ركاب رحلتين يتيمتين، لطائرتين صغيرتين من وإلى الرياض وجدة. ويتمنون أن يعاد النظر في عدد الرحلات، والتفكير بزيادة الوجهات وتوسيع دائرتها خصوصا أن شرورة يقيم فيها الآلاف من المواطنين العاملين فيها من خارج المحافظة، وهم يحتاجون وعائلاتهم إلى جداول وبرامج لرحلات طيران مرنة تراعي ظروفهم، وعدم توفر بدائل أخرى باستثناء التنقل عبر شبكة الطرق البرية وهو خيار شاق ومتعب. وللتقريب فإن مدينة نجران تبعد 350 كلم، والرياض 800 كلم، وجازان وبقية مدن المنطقة الجنوبية لا تقل عن 700 كلم. وتلك قصة أخرى.
إطار (3 )
 
محطة الكهرباء الجديدة في شرورة

شموع لمواجهة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في فصل الصيف
قبل أيام من دخول شهر رمضان المبارك انقطع التيار الكهربائي لمدة 20 ساعة متواصلة على معظم الأحياء السكنية في محافظة شرورة. تكرار حالات انقطاع التيار الكهربائي خصوصا في فصل الصيف، جعل الأهالي يقبلون على تخزين عبوات من الشموع لمواجهة هذه المشكلة.
وخلال اللقاءات في مجالس الأهالي والمنتديات الشبابية كان السؤال يدور دوما حول مصير المشروع الأخير لشركة الكهرباء الذي كلف خزينة الدولة نحو 350 مليون ريال لتعزيز قدرات الطاقة الكهربائية للمحافظة.