الجمعة، 6 نوفمبر 2015

كتاب حلق الى سدرة الحنين.. ليكشف أسرار مكة كما تبدو من السماء!


مكة المكرمة: عمر المضواحي


ينتاب قارئ كتاب "مكة المكرمة من السماء ـ الماضي والحاضر" شعورا طاغيا بأن ما بين يديه أقرب الى ديوان شعر مفعم بالحنين الى الأمكنة ومرابع ذكرى أول حبيب ومنزل، ما يؤهله أن يكون معلقة للألفية الثالثة، لكن هذه المرّة، بلغة الصورة وفن حبس الضوء، بلا غواية أو غاوون في حبّ مكة.

كل لقطة بانورامية من الكتاب تعكس قصيدة عشق خاص تدعو الى التحليق عاليا في بهاء سماء مكة والسباحة في مكامن أسرارها، والغوص في لجج ذكريات الأمس، ومقاربتها مع ورش عمل التطوير والتجديد بين الاصالة والمعاصرة، واستشراف صورة الغد المنتظر.

ثمة لقطات لأمكنة عدة تفيض غصّة حدّ التوجع للمكين، وأخرى تملء كؤوس الفخار بالمكان. وبين هذه وتلك، يعيش القارئ بن دفتي الكتاب وألبوم صوره المنوعة حالة عواطف جياشة تفوح بلهفة الشوق لمرابع أم القرى وسيدة الأرض، بجوارها وجبالها وشعاب أوديتها وبطاحها المقدسة.

اهداء الكتاب حمل لفتة حميمية بتخصيصه الى "كل من سار في بطاح مكة وأوديتها وأزقتها وشوارعها عبر الزمن، واعطاها ما تستحق من عبادة وعناية"... ومن هنا تبدأ الحكاية:

د. مرزا في مكتبه بمنزله العامر في مكة.
في منزله العامر، جلس الدكتور معراج مرزا يحكي لـ صحيفة مكة عن إرهاصات البداية، وما رافق لحظة تخلّق فكرة الكتاب، وعلقة تكونه في احشاء جامعة أم القرى، حتى أستوى خلقا كاملا في رحم المطابع، ليدشن الليلة في حفل جماهيري عام، وفي أحسن تكوين مادة وإعدادا وتنفيذا.. يقول:

لكل كتاب حكاية وقصة تروى الا هذا الكتاب؛ فهو يختصر حياة كل من عاش في مكة، ويلخص الحنين والشوق، واللقاء والهيام، ووداع الأمكنة الى لقاء آخر متجدد تباعا. الفكرة قديمة جدا، فلدي مجموعة كبيرة وخاصة من الخرائط والصور القديمة لمكة اقتنيتها طوال عقود من الزمن من الداخل وخلال رحلاتي الخارجية أيضا.

من بين هذه المجموعة الكبيرة، كان بحوزتي أول صور جوية عامودية لأغراض مساحية لمكة المكرمة التقطت في عام 1385ه (1965م) بواسطة شركة فيري سيرفي Fairy Survey البريطانية بتكليف من مكتب تخطيط المدن بوكالة وزارة الداخلية للشئون البلدية آنذاك. أكمّلتها لاحقا بصور جوية لنفس الفترة تقريبا 1386ه (1966م) من مصلحة المساحة الجيولوجية الأمريكية USGS. واحتفظت بهذه المجموعة ككنز ثمين ينتظر لحظة الاكتمال لرؤيتي المسبقة للكتاب. فلم أكن أرغب بإخراجها كصور جوية قديمة مفردة وصامتة عن مكة المكرمة في عام كذا فقط، كما هو معروف وشائع للمدن العالمية التي تتوفر كتب تستعرض صورا جوية تتحدث عن واقعها الحالي فقط، بل كنت أرغب في نشر صورا قديمة مع أخرى حديثة تقابلها، تمكن القارئ من عقد مقارنة بين الماضي مع الواقع الحالي لأم القرى.

الغلاف الخارجي الفاخر لطبعة كتاب مكة من السماء.

الحلم المنتظر!

يقول د. معراج: هذا النوع من المطبوعات مكلف جدا، وكشخص لا استطيع بمفردي إخراجها الى حيز الوجود بالشكل الذي أريده، كما لا استطيع بيعها وتسويقها بعد الطباعة من دون رعاية ودعم الجهات المتخصصة. والحمد لله، اهتمت الآن جامعة ام القرى التي تخرجت فيها العام 1974م بهذا الأمر، فأنا ابنها وأجدها أولى من سواها بإخراج كتبي ومؤلفاتي. وقد قال لي معالي الدكتور بكري عساس بعد تعهده بالرعاية والدعم عند تبنيه إصدار كتابي السابق "أطلس خرائط مكة المكرمة" بقوله "ليس لك عذر بعد الآن".

وهنا لا أنسى أيضا تثمين دور دارة الملك عبدالعزيز في الرياض التي قامت بجهد كبير جدا في اخراج "الأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة"، وطبع كتاب الرحالة الهولندي سنوك في جزأين، وساهمت بنشر  ودعم كتبي على مستوى كبير محليا وخارجيا.

أضاف: انتظرت أحلم طوال هذا الوقت بحصولي على نسخة جوية جديدة لمكة المكرمة. قبل سنوات وتحديدا في العام 1427ه (2007م) جرى تصوير جوي ثلاثي الأبعاد لمكة المكرمة بتقنية حديثة عالية الجودة (بكتومتري) في زمن الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله وبتكليف من هيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة السابقة لشركة بكتومتري Pictometry العالمية. حيث قامت الشركة الأمريكية بتصوير جوي عامودي بالطائرة من خلال تثبيت 5 كاميرات في جسم الطائرة لتلتقط صورا ثلاثية الابعاد غاية في الدقة والوضوح بحيث يتمكن المشاهد رؤية الصور مجسمة بنظام 3D لأي جزء منها.

للأسف وقع خلاف بين الشركة الأمريكية وهيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة حول الرسوم الخاصة بالمشروع، فاحتفظت الشركة الامريكية بأصول التصوير الثلاثي الجوي الأول والأخير لمكة المكرمة. لكن توفرت نسخة كاملة ببعد واحد فقط، لدى أمانة العاصمة المقدسة، وبمساعدة المسؤولين ـ حصلت على نسخة كاملة من هذه الصور وهي متاحة حاليا على موقع أمانة العاصمة المقدسة، بمسمى المرشد الجغرافي لمكة.

عندها أطمأن قلبي، وبدأت التفكير والعمل على خراج فكرة كتاب مكة المكرمة من السماء الى أرض الواقع، ووضع المقارنة بين الماضي والحاضر. وأعتقد الآن أن كتاب مكة من السماء هو أول كتاب يضع مصورات جوية قديمة وحديثة معا لمدينة في العالم وبفاصل زمني يمتد لخمسين عاما، مع مقارنة بينهما، وباللغتين العربية والإنجليزية معا.
أ.د رمزي بن أحمد الزهراني.
كانت رسالتي وزميلي د. رمزي بن أحمد الزهراني أستاذ الجغرافيا البشرية في جامعة أم القرى تنطلق من قناعة مشتركة بعد ان قضينا جل حياتنا في مكة المكرمة، عاملين بها، طموحين الى ابعد ما يكون الطموح. أعطتنا بسخاء منقطع النظير، ولها علينا حقوق وواجبات، لابد لنا من الوفاء ولو بنزر يسير منها.

انطلقنا معا بإيمان راسخ أن لأجيال المستقبل حقوق على الجيل الحاضر في مكة، لا سيما من عاصر ما عاشه المشهد المكي من تغيرات، ضلت القلوب معلقة بها، جديرة بكل عناية وتوثيق بأشكال تواكب طموحات المتلقي الحالي، المنغمس حتى النخاع في بيئة وثقافة الصورة المرئية، بعيدا عن نصوص تقليدية وصفية مجردة، تراجعت في خضم شيوع ثقافة الاختصار في النصوص والاتكاء على المزيد من الصور.

 د.معراج ود. رمزي يراجعون مسودة الكتاب مع فريق فني من المطبعة،
ويبدو ابنه م. محمد مرزا يلتقط سيلفي مع الجميع.
وقال: إن جميع الصور القديمة والحديثة في الكتاب وعددها 148صورة، تم معالجتها فنيا وبدقة كاملة، بحيث راعينا أن تكون جميعها بنفس الإحداثيات بعد رفعها، وبشكل متطابقة تماما. كان من الصعوبة العمل على الصور الجوية القديمة وتعديلها جغرافيا بعد تحديد اتجاه الشمال فيها لتتناسب مع الصور الجديدة، وقصهما معا بنفس الإحداثيات للتطابق التام. وهذه كانت مساهمة ابني محمد المهمة في هذا الكتاب.



مكتبة مكيّة حديثة

يضيف د. معراج مرزا وهو يعمل حاليا كأستاذ زائر بمركز التحليلات الجغرافية في جامعة هارفارد الأمريكية: هدفي الأساس هو تكوين مكتبة عن مكة المكرمة، فعندما يسافر أي انسان الى أي مكان في العالم سيجد مئات الكتب عن هذا المكان. في مكة، الوضع مختلف. تجد مئات الكتب التاريخية القديمة، ولكن إنتاج فكري حديث للأسف قليل جدا. وهذا ما جعلني أندفع في هذا المجال منذ أن بدأت دراستي للماجستير في العام 1977م في أمريكا اهتممت بحرص وشغف على جمع ما توفر من صور وخرائط قديمة لمكة المكرمة.

وقال: نتوق بعد أن صدر الكتاب الآن وبمساعدة ابني محمد طالب الدراسات العليا والمتخصص في علوم الحاسب الآلي في أمريكا، أن نتمكن من تحويل هذا العمل الى منتج اليكتروني تفاعلي على الهواتف الذكية والأجهزة الاليكترونية الأخرى، ليسهل على الجيل الجديد الإطلاع عليه، والتفاعل معه.

توثيق مكة مهم

في مقدمة الكتاب إشارات متوسعة عن أهمية هذا الإصدار للأجيال القادمة. ومما جاء فيه: "تأتي أهمية هذا الكتاب بما يحتويه من شفرات لذاكرة الأمكنة المكيّة. فعلى الرغم من مسيرة الملايين في بطون وأودية مكة المكرمة وخلال شوارعها عبر الزمان، الا أن من النادر جدا أن أتيحت لأي منهم مشاهدة مكة من السماء، أو حتى من على ارتفاع شاهق، يتسم بالشمولية وتعدد زوايا الرؤية من منظور مكاني وزماني في آن واحد".

مشيرة الى: "من جانب آخر، يتغير وجه مكة المكرمة بشكل سريع ومتعاقب، شأنها في ذلك شأن كثير من المدن، حيث تُغير الأحداث المظهر العام للمدينة، وبتعاقب الأجيال تتغير معالم مكة المكرمة، حيث يضع كل جيل بصماته الشخصية على وجه الدينة، من خلال ما يُنجز على مشهد المدينة".

و أنه "لا يرى المشاهد وعابر الشارع اليوم إلا ما هو أمامه، ولا يدرك أنه ربما تحت قدميه أثر مهم ذو بعد تاريخي لا يضاهيه مكان آخر، وربما يقع اثر آخر على بعد أمتار من الشارع الذي يسكن به، أو المتجر الذي يتسوق منه. ومن المؤلم أنه مع مرور الزمن وتسارع نبض المدينة، يزداد البعد عن تعرف هذه المواقع الأثرية، بل ربما تتراجع نظرة الأجيال الحالية من سكان المدينة وما جاورها لأهمية ودلالة هذه المواقع. بل أن بعض زوار مكة من غير سكانها على وعي بآثارها ومعالمها التاريخية يفوق وعي الغالبية العظمى من سكانها".


وعبر مؤلفو الكتاب في مقدمته الضافية بقولهم: "ومع أنه من الصعب في هذه المرحلة المحافظة على كافة المواقع الأثرية بمكة المكرمة، الا أن توثيق معالم المدينة مهم في ظل التغيّر السريع الذي نشهده، فإننا وإن كنا نعيش حاضرنا في مكة المكرمة، بآمالنا وطموحاتنا المختلفة ونظرتنا الطموحة نحو المستقبل، الا أن جذورنا تضرب في أعماق الماضي السحيق، فالأمس كان حاضرا، واليوم سيصبح ماضياً والغد حاضراً".


وختموا بالقول: "يأتي هذا الجهد المتواضع جدا في حق المكان، علّه يمثل بصيص أمل في تحريك الساكن في هذا المجال، ومن ثم بلورة وتفعيل جوهر البعد الثقافي الحضاري لهذا الكيان الخالد على مدى الزمان. ومن ثم يكمل جهودا أخرى ملموسة في نبش الذاكرة المكية، وعرضها للجيل الحاضر".




( إطار 1 )

د.معراج يشرح للأمير خالد الفيصل صور مسودة الكتاب بحضور مدير جامعة أم القرى ود. رمزي الزهراني.


خالد الفيصل يوصي بضم 10 لوحات جديدة في الكتاب

أشار د. معراج مرزا الى أن أمير منطقة مكة المكرمة كان اول من شاهد مسودة الكتاب قبل طباعته في زيارة خاصة بمكتب سموه بمكة، وحاز على إعجابه الشديد، حيث توقف طويلا أمام صور الأمكنة والمواقع، واسترجع ذكريات نشأته ومرابع صباه وشبابه في مكة المكرمة.

مؤكدا أن الأمير خالد الفيصل وجه بأن يتضمن الكتاب 10 لوحات إضافية من الصور الفضائية توضح معالم مكة المكرمة في العام 2014م. وتم الأخذ بتوجيهه الكريم، وأضيفت بعض الصور الفضائية الحديثة أخذت في عام 1435ه (2014م) لمواقع بارزة محددة، فرضتها التغيرات المكانية المتسارعة الحالية، ضمن مشروع الملك عبدالله رحمه الله لتوسعة المسجد الحرام وإعمار مكة المكرمة. ليصبح الكتاب في شكله النهائي مجموعة من الصور الجوية والفضائية لمعالم ومواقع مختارة في مكة الكرمة في فترات زمنية مختلفة، تبرز بعض سمات التغير والاختلاف عبر الزمن القصير، وما شهدته مكة خلال نصف القرن الماضي. مع شروحات موجزة مبسطة لمعالم المكان عبر اللغتين العربية والانجليزية.


( إطار 2 )


د. معراج يوقع مع مدير جامعة أم القرى د. بكري عساس على اتفاقية إصدار الكتاب بحضور د. نبيل كوشك.

جامعة ام القرى تدشن الليلة كتاب مكة من السماء ـ الماضي والحاضر

رعت جامعة أم القرى بحضور مديرها معالي الدكتور بكري بن معتوق عساس في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الأربعاء 4/ 11/ 2015م في بقاعة الملك عبدالعزيز التاريخية حفل تدشين كتاب (مكة المكرمة من السماء ـ الماضي والحاضر) بعد ان وزعت رقاع الدعوة العامة لحضور هذه المناسبة.

وفي مقدمة الكتاب أشار د. بكري عساس" الى أن تقديم جامعة أم القرى لهذا الكتاب هو جزء من مواصلة الجامعة لرسالتها والتزاماتها نحو المساهمة الفاعلة في البحث العلمي وخدمة المجتمع، واجراء البحوث والدراسات عن مكة المكرمة، واثراء المكتبة المكيّة بمزيد من الأعمال العلمية التوثيقية". ووصف الكتاب بأنه " أحد الأعمال الإبداعية المميزة لما اشتمل عليه من نصوص وصور جوية مختلفة تضرب بجذورها في الماضي الذي كان، وتعيش الزمن الحالي الحاضر، وتتطلع نحو غد طوح لا يحده خيال".
وكانت جامعة أم القرى تبنت قبل عامين إصدار "أطلس خرائط مكة المكرمة " للدكتور معراج مرزا باللغتين العربية والإنجليزية.