الثلاثاء، 31 مارس 2015

المراسل الحربي السعودي ضرورة لإنعاش حياة الصحف!


مكة المكرمة: عمر المضواحي

مع تكرار الحروب والنزاعات العسكرية في العالم العربي، وأخرها عاصفة الحزم الوقائية في اليمن هذه الأيام، فشل التاريخ والزمان والمنطق في إقناع المؤسسات الصحافية والإعلامية الرسمية في السعودية بأهمية دور المراسل الحربي لتغطية أخبار الحروب والمعارك بعيون سعودية، وللقارئ والمستمع والمشاهد السعودي.

في العقود الماضية باتت الحرب حدّا خامسا يحيق بالمملكة مع كل دورة اضطراب في المناخ السياسي الملتهب بالمنطقة. وبات هناك "رزنامة" حروب عشرية تنشب هنا أو هناك بجوار حدودنا الواسعة. وبات غياب الصحافة السعودية عن كل ميادين المناطق الساخنة حولها غير مبرر على الإطلاق مع ارتفاع وتيرة الحروب والمظاهرات والثورات حولها.

السعوديون عادة هم من أكثر شعوب الأرض مناداة بالتخصص والخصخصة وفي كل المجالات، في المقابل يؤكد الواقع أننا آخر من يطبق هذه الدعوى عمليا، أو يعمل على ذلك. ويبدو في شكل مؤكد أن المؤسسات الصحافية المحلية ليست بدعا عن هذا الواقع المرير في بلاط صاحبة الجلالة؛ الصحافة.

فبالرغم من وجود نحو 20 صحيفة ومجلة ودورية في السعودية الا أنها لم تهتم قط بتأهيل وتدريب كوادر صحفية متخصصة في أخبار الحروب والمعارك العسكرية، فضلا عن غيابها في معظم التخصصات المطلوبة كالنفط، والتأمين، وغيرها مما يصعب حصره هنا.

وعلى الرغم من توفر خمس شعب لتدريس علوم الصحافة في أقسام الإعلام بجامعات المملكة الرئيسية، الا انها جميعا لم تهتم قط في توفير تخصص للصحافة العسكرية ـ وغيرها ـ ضمن مناهجها يتم من خلالها تهيئة كوادر وطنية للتعاطي مع هذا التخصص الذي بات ذو أولوية ماسة نظرا لكون المملكة جغرافيا ضمن واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة في مجال الحروب.

في احداث الثورات العربية جميعها لم تخصص الصحف السعودية الورقية أي مراسل للتغطية من أرض الحدث بالرغم من أن الاستثمارات الاقتصادية السعودية هي الأكبر حصة في اقتصاديات جميع الدول العربية، علاوة على أن في كثير منها أملاك ومنازل للسعوديين، وكثير من أبنائنا الطلاب والطالبات يدرسون فيها. ومع ذلك غابت الصحافة السعودية عن تغطية الأخبار والقصص والتطورات وتقديمها لقرائها بعيون وطنية!.

هذا الغياب، يطرح في شكل جدي سؤلا يجدر الإجابة عليه. ما هو مستقبل الصحافة الورقية في ظل التطور الهائل للإعلام الاليكتروني ووسائط الاتصال الاجتماعي ( تويتر، فيس بوك، يوتيوب... الخ) حيث بات قراء الصحف يتابعون أولا بأول الأحداث من خلالها وعلى مدار 24 ساعة يوميا.

ومع غياب الأخبار والتقارير والقصص الخاصة ضعف موقف الصحافة الورقية في التوزيع والانتشار بشكل واضح عاما بعد عام، كونها تنشر في اغلب الأحوال أخبارا وتقاريرا باتت معروفة قبل صدور طبعاتها صباح كل يوم. وما يعقد الأمر أيضا عجز معظم هذه الصحف على تقوية ودعم مواقعها الاليكترونية لتغطية ومنافسة هذه الوسائل اللحظية، بسبب غياب الصحافيين المتخصصين في جسم هيئاتها التحريرية.

صحيح أن قواعد المهنية الصحافية غائبة عند العامة كون معظمهم يجهل أنها صناعة وعلم وتخصص تحكمها أخلاقيات وقيّم ومعايير محددة، لكنها غير ملزمة للمدونين والمشاركين في قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة كونها تتيح لأي شخص التعبير عن رأيه بشكل منفرد ومستقل.

ومع عجز المؤسسات الصحافية عن مواكبة الأخبار بالطريقة التي يستخدمها الأفراد العاديون عبر هذه الوسائط الحديثة، تبقى بعيدة عن اهتمام قراءها التي أتاحت لهم أجهزة النقال الذكية أن يكونوا ـ في شكل عام ـ مراسلين ومعلقين عن الأحداث والأخبار كلٌ من زاويته وخلفيته ومعلوماته؛ وأغراضه أيضا.

 وحتى لا نبحر بعيدا، يجدر التأكيد على أن نشأة الصحافة العسكرية تأتي مرادفة مع نشأة الصحف بعد اختراع الطباعة على يد الفوهر غوتنبيرغ في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. وظهرت المطبعة في الجزيرة العربية في العام 1300 هـ 1880 م في عهد الوالي التركي عثمان نوري باشا وعرفت المملكة الصحف في عام 1326هـ 1908م بعد ربع قرن من دخول المطبعة الى أرض الحجاز.

ومع تزايد التطورات السياسية والعسكرية نتيجة سلسلة الحروب التي شهدتها المنطقة وما تبعها من الاهتمام لدى القراء بمختلف أطياف اهتماماتهم الفكرية والاقتصادية ومستوياتهم التعليمية، أقتصر دور وسائل الإعلام المحلية المختلفة بشكل عام على جمع الأخبار والتقارير المرسلة من مراسليها غير السعوديين في الدول الأخرى، ومن وكالات الأنباء أو ترجمتها من وسائل الإعلام الدولي.

لم تلتفت الصحف المحلية الى اهمية هذا الأمر، بالرغم من أن ذلك يعد من صميم عملها لخدمة معظم قرائها في الاخل. ولم تعط قدر ملحوظ من الاهتمام لهذا الأمر ذو التخصص الدقيق. فغابت الصفحات المتخصصة بشرح ما يحدث في أرض المعركة تلبية لحاجيات قرائها الماسة لمعرفة تفاصيل ما بعد الخبر الذي سيطرت عليه وسائل الاتصال والإعلام الفورية كالفضائيات والإذاعات ونشرات وكالة الأنباء في الإنترنت.

مع مطلع الألفية الثالثة، فشت ظاهرة جديدة آنذاك في الصحف المحلية، حيث قامت بعض الصحف بتقليد نظيراتها العربية المهاجرة (الدولية) التي عملت في سنوات حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق (1980 ـ 1988م) على توفير غطاء لعوارها المهني وأخطائها الماضية، من خلال إبرام عقود مع وكالات أنباء أو صحف عالمية لترجمة أخبارها وتقاريرها وتحليلاتها ومقالات كتابها وقصص مراسلوها في مناطق الحروب العربية عبر ما سمي (بخدمة خاصة) وحصولها على حق ترجمتها باللغة العربية لتنشر بالتزامن مع المطبوعة الرئيسية باللغات الأخرى المختلفة.

وأظهرت ميزانية بعض الصحف السعودية الدولية أنها تنفق على شراء هذه الخدمات الخاصة نحو مليون دولار سنويا!. وهو رقم كاف لتأهيل كتيبة من مراسليها السعوديين في مختلف فروع تخصصات الصحافة العسكرية لو أرادت ذك حقا.

المؤكد أن الحروب كانت ولا تزال من أهم أسباب تقدم الصحافة في العالم، من خلال السعي وراء أخبار وقصص المعارك ونشرها. فالحروب وفق الدكتور حسنين عبدالقادر صاحب كتاب (الصحافة مصدر للتاريخ الطبعة الثانية 1960م مكتبة الأنجلو القاهرة) "إن الحروب تفتح الشهية دائما للأخبار".

وبحسب دراسة عن الشئون العسكرية في الصحافة المصرية كتب الدكتور محمد عبدالحميد أحمد أستاذ الصحافة بجامعة حلوان يقول " أدت هذه الحروب الى تطوير نشاط المراسلين وعزمهم على رفع مستوى المهارة الفنية في خدمات جليلة للأنباء, فقد كانوا يسارعون لتصوير الأخبار وقوفا على ظهور الخيل والبغال والحمير والزوارق البخارية".

أضاف: "أدت الحروب والمعارك العسكرية الى إرسال الصحافيين الى مواقع القتال فعرفت الصحافة مهمة المراسل الحربي الذي ينتقل الى ميادين الحرب ويختلط بالجنود وينقل أخبار المعارك وصورها وما يحدث فيها من مواقف إنسانية وما يقوم بين القادة من رسم للخطط العسكرية وتغيرها وفقا لسير المعارك". مشيرا الى أنه "خلال الحرب العالمية الأولى أوفدت وكالة رويتر وحدها 115 مراسلا حربيا الى مواقع القتال المختلفة لقي 15 مراسلا منهم مصرعهم وفقد منهم كثيرون".

وشدد د. عبدالحميد "أنه مع توسع الجيوش وتحويلها الى منظمات ترعاها الدولة توسعت في أعمالها على النطاق الزمني والجغرافي, ازدادت الحاجة لمعرفة أنباء هذه القوات والجيوش وتطورت وسائل النشر عن نشاط هذه القوات وكانت الحرب والقضايا العسكرية من العوامل البارزة التي دفعت الى الاهتمام بإصدار النشرات المطبوعة ونمو الصحافة.

موضحا أنه "في فترات الحرب تصدر الصحف عادة ملاحق عسكرية خاصة بأخبار الحرب وتقوم بشرح الأمور العسكرية والخطط الحربية وما يرتبط بها من مناورات وأساليب التكتيك العسكري وتكون مهمتها كذلك تقوية الروح المعنوبة لدى الجنود والمواطنين, وبث روح الهزيمة وإضعاف معنويات العدو". وأن "للصحافة العسكرية وظيفة ومهمة سواء في زمن الحرب تقوم بإعلام القارئ بتطورات سير المعارك وشرح العمليات العسكرية ومقاومة الإشاعات والحرب النفسية التي يشنها العدو والرد عليها, وإظهار روح البطولة بين المقاتلين".

أضاف: "كذلك يتطلب تحقيق هذا كله وجود المصور المتخصص في الشؤون العسكرية القادر على تحمل أهوال المعارك الى حد التضحية بحياته. وقد شهدت المعارك العسكرية كثير من المصورين والمراسلين الذين ضحوا بحياتهم وهم يؤدون أعمالهم مثلهم في ذلك مثل الجنود الذين يحملون المدفع ويضعون أرواحهم في أيديهم وهم يخوضون القتال في ساحة الميدان".

هناك حادثتان تستحق الاهتمام لمعرفة الفرق في التعامل بين الصحافيين في العالمين الغربي والعربي. أولها حادثة الصحافي الأمريكي بيتر آرنيت الذي صرفته القناة الأمريكية "NBC" لانتقاده استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب على العراق ( 2003م) وإعلانه فشل الخطط الحربية, واستقطبته على الفور في خطوة ذات دلالة واضحة صحيفة الديلي ميرور تحت ما نشيت عريض " صرفته أمريكا لقوله الحقيقة ووظفته الديلي ميرور لمواصلة قول هذه الحقيقة!".

وفي حرب العراق سمح لأول مرة للصحافة العسكرية التابعة لدول التحالف بمرافقة القوات الحربية أثناء المعارك الدائرة  هناك. وسمحت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بذلك وفق شروط معينة, بل أنها لم تتردد في طرد جيرالدو ريفيرا مراسل قناة فوكس نيوز الأمريكية الذي كان يرافق الفرقة 101 المحمولة جوا في جنوب العراق بسبب تضمين تقريره الصحفي مواقع منطقة عمليات الفرقة وتهديده بحسب القائد الميداني بعرض أمن العمليات للخطر!.

في المقابل، وكنت أحد الصحافيين الذين شاركوا في تغطية دخول القوات الخليجية للكويت العام 1991م لصالح مجلة اقرأ الصادرة عن مؤسسة البلاد للصحافة والنشر، لم ترسل الصحف السعودية المحلية مندوبين عنها لتغطية حرب تحرير الكويت الا في أواخر شهر فبراير مع دخول طلائع القوات الخليجية لها، أو قبلها بيوم أو بعض يوم. أما الصحف الغربية فكان مراسلوها حاضرون هناك منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر تعرفوا خلالها على كل صغيرة وكبيرة قبل نشوب الحرب (التي بدأت في 17 يناير الى 28 نوفمبر 1991م) وقبل ان يحتدم الوطيس متسلحين بالخبرات المتراكمة والمعلومات المسجلة عن كل شيء يدور في أرض معركة التحرير!.


خلال مؤتمرات الإيجاز اليومي للمتحدث الرسمي لعاصفة الحزم في الرياض ظهر بجلاء مستوى الأسئلة التي يطرحها الصحافيون، وهي تغني عن كل قول هنا. فمتى تفيق مؤسساتنا الإعلامية المحلية لتنقذ نفسها أولاّ ـ بتأهيل كوادرها الصحافية الشابة ـ لمواجهة نزيف القراء لنسخها الورقية والإليكترونية، فضلا عن حربها الضروس مع وسائط الإعلام الجديد؟!.