الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

رئاسة شؤون الحرمين هل سحبت وظائف حجابة الكعبة المشرفة وتناست مكانة السدنة؟!


أحد كبار موظفي رئاسة شؤون الحرمين يتلولى مسح باب الكعبة المشرفة (المصدر: إنترنت)

·       *  عمر المضواحي

انفض سامر غسيل الكعبة المشرفة يوم امس الأحد (26 محرم 1436هـ ــ 8 نوفمبر 2015م). وربما هي المرة الأولى التي لم أشارك بكتابة حرف عنها طوال سنوات مسيرتي الصحفية المتواضعة. وغلب على رأيي أن أتريث وأكتب تدوينة متواضعة، بغية التنبيه والدعوة للإصلاح ما استطعت، أسكب فيها ملاحظات ورؤوس أقلام رصدتها منذ نحو سنتين، مع قراءة خاصة ومناقشات مع ثلة من الباحثين والمختصين لتحليل سلة معطيات جديدة لها ما لها، وعليها ما عليها في هذه التدوينة.

خادم الحرمين الشريف يقوم بغسل الكعبة في رمضان الماضي.
خلال السنوات الماضية أظهرت القيادة الرشيدة اهتماما معهودا شمل أسرة السدنة، فخادم الحرمين الشريفين استقبل هذا العام كبير السدنة أكثر من مرة. قبيل حفل أهالي مكة في شوال الماضي، وفي قصر السلام بجدة مطلع شهر ذي الحجة المنصرم حيث سلم بيده الكريمة أول كسوة سلمانية للكعبة الشريفة لكبير سدنة البيت الحرام.

وفي 28 أكتوبر الماضي استقبل الأمير فيصل بن محمد وكيل إمارة مكة المساعد للحقوق كبير السدنة في مكتب سموه بديوان الأمارة لمراجعة الإجراءات المتبعة والمعمول بها في كل عام خلال الغسل، وسبل التعاون في كل ما يخدم المناسبة ويُظهرها بما يليق بمكانتها وأهميتها. وفي نهاية اللقاء تَسَلّم كبير السدنة هدية من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، عبارة عن أطياب من العود والورد لاستخدامها في غسل الكعبة المشرفة.

في المقابل لا ينكر منصف أن رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بدأت في النصف الثاني من عام 1433 هجري بذل جهد هائل وتطوير كبير شمل تحسينات في هيكل الإدارة والتشغيل وواجبات الرئاسة تجاه الحرمين الشريفين، والعاملين فيها وفيهما. غير أن ثمة تحولات لافتة تشهدها الصفة الإعتبارية لحجبة وسدنة بيت الله العتيق، وتغوّل يزداد عاما بعد عام على سحب بساط وظائفها منهم بهدوء وفي شكل متواتر تحت ستار التطوير بعيدا عن أعين العامة.

إن تهميش وظيفة السدانة، واستلاب دورها، والإمعان في بخس أهميتها وإظهارها بشكل مشوش تعتوره ضبابية تثير عند المراقبين الاستغراب والحيرة والكثير من الأسئلة المعلقة.والمراقب ليدهش حقا من الأسلوب المتضاد الذي تسلكه الرئاسة في هذا الأمر. فهي تصرف كل اهتمام بإظهار دقة صناعة الأدوات، وتكامل الاستعدادات، وتأتي بموظفيها لتولي معظم وظائف الحجبة عدا فتح باب الكعبة المشرفة، وتهمل في المقابل أي ذكر أو وجود للسدنة في معظم مناسبات الرئاسة، وبشكل لافت. ففي الوقت الذي تعلي رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أهمية كبرى للظهور الإعلامي إبراز أخبار كبار المسؤولين فيها وأنشطتهم، الا أنها نادرا ما تحرص على إظهار أهمية دور ووجود كبير السدنة أو وكلائه عند حضورهم في كل مناسبات المسجد الحرام.

عربات حديثة صممتها رئاسة الحرمين لتهيل أعمال غسيل الكعبة المشرفة
تاريخيا كانت جميع ترتيبات وتحضيرات غسل الكعبة المشرفة تعهد إلى السدنة وهي أقرب إلى اختصاصهم وظيفتهم وأعظم من أن يناب هذا الشرف الى أفراد يعملون في الرئاسة، ويتولوا أيضا استعراض طرق تجهيز خطوات الغسيل أمام كاميرات وسائل الإعلام.
لقد قامت الرئاسة بتحديث كل أدوات مناسبات غسيل الكعبة. ووفرت عربات حديثة من أخشاب الساج المطعمة بالنقوش والأشكال الإسلامية لنقل أدوات الغسيل، وقامت بتصنيع أكواب وأوان وأجفان من فضة مزخرفة ومعشقة بالخطوط والنقوش، وهيأت مكانس ومساحات للمياه بمقابض معدنية فاخرة، وقطع من القماش القطني الفاخر، ولم تنسى بالطبع أن تدمغ جميعها بعلامة وشعار رئاسة شؤون الحرمين.

يقول أحد الباحثين المكيين في تاريخ المسجد الحرام أنه "كان المنتظر من رئاسة شؤون الحرمين، طالما أنها مسؤولة عن خدمة الحرمين الشريفين، أن تعزز ضمن سعيها للتطوير والتحديث آلية عمل السدانة وامكانياتهم أيضا، وأن تساهم في حفظ مكانة هذه الوظيفة الدينية وأصحابها، لا أن تبدو ربما في مظهر المنافس لهم، أو يفهم منه أحد أنه تعمد لمحو حضورهم ودورهم التاريخي".

أضاف: " عندما يحضر كبير السدنة ومرافقيه لفتح الكعبة المشرفة لا يكون أي مسؤول في استقباله وكأنه يحضر لأداء واجب وتنفيذ الأوامر المبلغة فقط. وعندما يحضر خادم الحرمين الشريفين أو نائبه في حفل غسل الكعبة لا تظهر الصور كبير السدنة وهو يشارك في استقبالهم، بل يحاط ولي الأمر بقيادات الرئاسة فقط عن يمينه وشماله، وعند أداء تحية المسجد في حين يقبع السادن بعيدا عند باب الكعبة المشرفة".

وختم بقوله: "قد أفهم أن الرئاسة لا تريد أن تسبغ على السدنة صفة القداسة أو أن يكون لهم شأن في العالمين فلا يسمح لهم بتبوء الصفوف الأولى ولا تصدر أنباء الصحافة الرسمية فلا كيان رسمي او مرجعية عليا او ميزانية معتمدة لهم ولا بروتوكول للتواجد الرسمي والمحلي ولا على صعيد الزيارات الخارجية كما نشهد من زيارات لمعالي الرئيس وهو يجوب فيها العالم سنويا ويلقى فيها كل تقدير وترحاب".

ختاما، لا يخفى على أحد، أنه طوال التاريخ الجاهلي وفي الإسلام أيضا، كانت هذه الوظيفة مصانة،  يحكمها فقه وأحكام خاصة بها بنص القرآن وصحيح السنة ، وتقاليد لم تخترم قطّ عبر العصور المختلفة. فالهيبة للمكان (البيت العتيق) والحظوة للمكين (آل الشيبي)، والقصة معروفة.