الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

تحمل الرقم (90) في العهد السعودي: الكسوة السلمانية الأولى للكعبة المشرفة

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يسلم كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة البيت الحرام



يستعد بيت الله العتيق فجر اليوم لبدء مراسم تركيب أول كسوة للكعبة المعظمة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتستقبل غدا في يوم النحر (عيد الأضحى المبارك) ضيوف الرحمن ووفد الله الى بيته وزوار بيته الحرام بأجمل حلة من الحرير الموشى بالذهب والفضة تعظيما لها وتكريما.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قام ولأول مرة بتسليم كسوة الكعبة المعظمة التي تحمل اسمه ـ حفظه الله ـ لكبير سدنة بيت الله الحرام بيده الكريمة للشيخ الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي في قصر السلام بجدة صباح أول ايام شهر ذي الحجة الجاري في خطوة تعكس اهتمامه وعنايته الخاصة بالحرمين الشريفين.
وسبق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ان احيا سنة غسيل الكعبة المشرفة، عندما تولى غسلها بيده الكريمة والصلاة في جوفها في شهر رمضان الماضي.

وجرت العادة أن يتم تسليم كسوة الكعبة المشرفة لسادن البيت العتيق من الرئيس العام لشؤون الحرم المكي والمسجد النبوي في حفل ديني مبسط يقام بعد صلاة عشاء أول أيام شهر ذي الحجة من كل عام في قاعة الاحتفالات الرئيسية بمبنى مصنع الكسوة بحي أم الجود في مكة المكرمة بحضور جمع من المسؤولين والأعيان والشخصيات الدينية وأعضاء من السلك الدبلوماسي للدول الإسلامية المعتمدون في المملكة.

وتعد كسوة الكعبة المشرفة التي تحمل إسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الرقم (90) منذ أول كسوة تم صنعها في مكة المكرمة تحمل إسم والده الملك المؤسس رحمه الله في دار الكسوة القديم بحي إجياد العام 1346هـ الذي أمر بإنشائه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وافتتحه بنفسه رحمه الله بعد أن دانت له الولاية على الحرمين الشريفين ودخوله مكة في العام 1344هـ (1925م) بعد خروج أمر كسوة الكعبة المشرفة من أعمال البر والإحسان وربط مجيئها بأمور سياسية لا تليق ببيت الله العتيق.

ويشهد بيت الله العتيق صباح يوم عرفة في كل عام إقبالا هائلا من أهالي مكة وزوارها الذين يعمرون جنباته بالذكر والتهليل والصلاة بعد الطواف حول الكعبة المشرفة، في تقليد سنوي تتوارثه الأجيال لاهتبال فرصة خلو المسجد الحرام من الحجاج الذين يقفون جميعا على صعيد عرفة الطاهر. كما يحرص الجميع على حضور ومشاهدة مراسم تغيير الكسوة القديمة وإحلال الكسوة الجديدة في مشهد مؤثر ومهيب يبقى عالقا في الذاكرة.

ومنذ أن رفع إبراهيم الخليل عليه السلام قواعد البيت وأذن في الناس بالحج، أولت العرب بصنوف من أعمال التعظيم والإجلال لبيت الله العتيق. وكانت تعدّ كسوة البيت من أجل هذه الأعمال و "من أوجب الواجبات والفضائل والمفاخر، وكان ذلك مباحا لكل من يريد أن يكسو الكعبة متى شاء، ومن أي نوع شاء" بحسب قول المؤرخ المكي وعضو مجلس الشورى سابقا الشيخ حسين بن عبدالله با سلامة في كتابه القيم (تاريخ الكعبة المشرفة) الذي طبع في عام 1354 هـ، وأفرد فيه باب خاص تتبع فيه بعد التحقيق والمراجعة تاريخ أخبار كسوة الكعبة المشرفة في الجاهلية والإسلام.



 إطار ( 1 )
أول من كسى الكعبة إسماعيل وفي الإسلام النبي محمد

اختلف المؤرخون في أول من كسى الكعبة المشرفة. لكنهم يجمعون على أن كسوة الكسبة في الإسلام أخذت شكلا ألطف من شكلها في الجاهلية، وتنافس الخلفاء والملوك والسلاطين على إخراج كسوات الكعبة المشرفة بأفضل صنعة و أجمل حلة:

·       في الجاهلية: تعددت الآراء حول أول من كسى الكعبة المشرفة لكنها لم تخرج جميعها عن ثلاثة:

1)    سيدنا إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام.

2)    عدنان ابن إدّ الجدّ العشرون للنبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم (وهو الأب الأعلى للعرب العدنانيين نسبة إليه).

3)    (الملك) تبُّع أسعد الكامل أبو كرب أحد ملوك مملكة حِميّر اليمانية (تولى الحكم في عام  378 م وتوفي عام 430 م) وهو الثابت في كتب التاريخ بأنه اول من كسى الكعبة بالحلل وأول من جعل لها بابا وقفلا بعد عودته من غزوة يثرب سنة 220 قبل الهجرة النبوية.

·       في الإسلام:

أول من كسا الكعبة في الإسلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ( 20 رمضان من العام 8 للهجرة الموافق 10 يناير 630 م) عندما احترقت بيد امرأة أرادت تبخير كسوة قريش القديمة، وكسى النبي الكعبة بالثياب اليمانية.




إطار (2)
أيام تعليق الكسوة الجديدة وتنوع خاماتها عبر التاريخ

تعددت الأيام التي كان العرب يختارونها كموعد لتجديد كسوة الكعبة المشرفة في الإسلام. ويمكن تلخيصها في التالي:

·       النبي وقريش: في اليوم العاشر من شهر المحرم (عاشوراء). وأورد الأزرقي عن خالد بن مهاجر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عاشوراء فقال: " هذا يوم عاشوراء؛ يوم تنقضي فيه السنة، وتستر فيه الكعبة".

·       الخليفة عمر بن الخطاب: أول من كسى الكعبة المشرفة مرتان في العام. كسوة في يوم عاشوراء (وخامتها من القباطي المصرية)، وكسوة ثانية في آخر شهر رمضان (وخامتها من الديباج).

·       الخليفة العباسي المأمون: جعل للكعبة 3 كسوات في العام. الأولى من الديباج الأحمر في يوم التروية (8 ذي الحجة)، والثانية من القباطي يوم هلال شهر رجب (الشهر السابع في التقويم الهجري)، والكسوة الثالثة من الديباج الأبيض اللون يوم 27 رمضان استعدادا لعيد الفطر.

·      فيعصر الدولة العثمانية وما بعده في العهد الهاشمي ذكر أن تجديد الكسوة كان يتم (غالبا) في يوم النحر (العاشر من شهر ذي الحجة).



إطار ( 3 )
ستارة داخلية لجوف الكعبة المشرفة

وضع العرب أيضا أول كسوة (ستارة) لجوف الكعبة المشرفة تغطى سقفها والنصف الاعلى لجدرانها الأربعة من الداخل، واستمر العمل بذلك حتى اليوم. وكان لباب (التوبة) وهو باب صغير داخل الكعبة من جهة حجر إسماعيل (يؤدي الى سطح الكعبة عبر سلم حلزوني الشكل صنع من الكريستال) ستارة خاصة قبل أن يصنع الملك فهد بن عبدالعزيز بابا من أندر الأخشاب مغطى بصفائح منقوشة بكتابات وزخارف إسلامية من الذهب والفضة الخالص (بنسبة 1 الى 8 من حجم باب الكعبة الرئيسي) عند تجديده الشامل ـ رحمه الله ـ لبناء الكعبة المشرفة في العام 1417هـ.

وجاء أول ذكر للكسوة الداخلية للكعبة المشرفة في وصف الرحالة ابن جبير الأندلسي الذي وصل الى مكة في ربيع الآخر عام 579 هـ الموافق أغسطس عام 1183م وكتب واصفا الكعبة المشرفة بقوله: "وسقف البيت مجلل بكساء من الحرير الملون".

يقول با سلامة في مؤلفه: " أن كسوة الكعبة من داخلها تقع على سبيل النادر، أما أنه متى بليت جددت، وإما أنه متى أراد أحد الملوك أو السلاطين تجديدها جددها، وذلك بخلاف كسوتها من الخارج فإنها كانت تكسى سنويا على الدوام، إلا ما كان يقع نادرا من التخلي عن كسوتها بسبب الحروب أو الفتن".

ويقوم مصنع الكسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة الى اليوم بصناعة كسوة داخلية للكعبة المشرفة عبر قسم خاص بها يتولى أمهر العاملون فيه بنسجها يدويا بالكامل وبمستوى فني رفيع من خيوط الحرير أخضر اللون ومطرزة بأسلاك من الذهب والفضة تجدد عند الحاجة لذلك بموجب أمر ملكي.

كيس مفتاح الكعبة يحمل إسم الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ انترنت


إطار ( 4 )
أبرز ألوان كسوة الكعبة المشرفة عبر التاريخ

تختلف خامات وألوان كسوة الكعبة المشرفة عبر التاريخ في الجاهلية والإسلام  بحسب رغبة ولاة الأمر على مختلف العصور والأزمان. وتعددت ألوانها بين الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض حتى استقر على اختيار اللون الأسود للكسوة، وأول من أمر بها الخليفة الناصر العباسي (575هـ ـ 622هـ) وأستمر لون الكسوة (غالبا) بعده وحتى الآن.

·       اللون الأبيض: الخليفة العباسي المأمون ابن الرشيد.

·       اللون الأصفر: السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي في ايام الدولة العباسية.

·       اللون الأخضر: الناصر العباسي قبل أن يستقر على اللون الأسود.




إطار (5)

7 قطع مكونات كسوة الكعبة المشرفة:

الثوب الرئيسي:

يتكون الثوب الحريري الأسود للكعبة المشرفة من 47 قطعة من القماش الخام طول كل منها 14 مترا وعرضها 95 سم، تشكل معا الستائر الرئيسية التي تغطي أوجه الحوائط الخارجية الأربعة كل منها على حدة، ويتم تثبيتها في عرى معدنية خاصة (47 عروة) مثبتة في حواف سطح الكعبة، بحيث تربط قطع الكسوة الجديدة قبل أن تحل حبال الكسوة القديمة لتقع تحت الثوب الجديد نظرا لكراهية ترك واجهات الكعبة مكشوفة بلا ساتر.
ويحتاج صناعة الثوب الواحد نحو 670 كغ من الحرير الخالص، و نحو 150 كغ من أسلاك الذهب والفضة ليغطي مسطح كسوة الكعبة المشرفة بالكامل والذي يبلغ 658 مترا مربعا.

ستارة الباب:

تعرف بـ ( البرقع ) وتعلق على الباب الرئيس للكعبة من الخارج. وتتكون الستارة من خمس قطع يتم جمعها رأسيا ثم تبطن بالقماش الأبيض. ويبلغ ارتفاع الستارة سبعة أمتار ونصف المتر، أما عرضها أربعة أمتار وهي آية في الصنعة والإتقان.
يذكر أن أول تاريخ ذكر فيه وضع لستارة منقوشة على باب الكعبة كان في عام 810 هـ (140 م ) بحسب المؤرخ التقي الفاسي في كتابه شفاء الغرام.

الحزام:

يحيط الحزام بالكسوة كلها في الثلث الأعلى منها بعرض 95 سم وطول 47 مترا مطرزا تطريزا بارزا ومطى بأسلاك من الفضة المطلية بالذهب. ويتألف من 16 قطعة في كل جانب من الكعبة 4 قطع وجميعها كتب عليها آيات قرآنية بخط الثلث المركب ومحاطة بإطار من الزخارف الإسلامية.

قطع الآيات والإهداء:
توزع تحت الحزام 6 آيات من القرآن الكريم مكتوب كل منها داخل إطار منفصل، الى جانب قطعة الإهداء مكتوب عليها عبارات تؤرخ إهداء خادم الحرمين الشريفين لثوب الكعبة وسنة الصنع، وتم استحداث هذه القطع الستة في العهد السعودي الزاهر. كم تم مؤخرا وضع اربعة قطع فوق ركن الحجر الأسود كعلامة لبدء الطواف بدلا من خط بدء الطواف الذي كان سابقا من المرمر البني اللون على سطح الصحن وتسبب في الزحام والتدافع وإعاقة حركة حشود الطائفين حول الكعبة.

القناديل:

وهي 11 قطعة على شكل قنديل مكتوب عليها آيات قرآنية توضع بين أضلاع الكعبة المشرفة.

الصمدية:

توزع على أركان الكعبة الأربعة تحت الحزام سورة الإخلاص (الصمدية) داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.

كيس مفتاح الباب:


يقوم مصنع الكسوة بصناعة كيس من الحرير أخضر اللون منقوش عليه بأسلاك من الفضة في أحد جانبيه نص الحديث النبوي الشريف: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة الى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم" وفي الجانب الآخر عبارات تؤرخ إهداء خادم الحرمين الشريفين لثوب الكعبة وسنة الصنع، ويوضع بداخل الكيس مفاتيح باب الكعبة المشرفة.