الثلاثاء، 27 مايو 2014

أول صورة بانورامية تحبس لحظة ضوء في ذاكرة "مكة المفقودة"


 

صحيفة مكة فردت صفحتان كاملتان للصورة البانورامية التاريخية عدد الثلاثاء 27 مايو 2014


مكة المكرمة: عمر المضواحي

ليس هناك مدينة في الأرض عانت من الفقد ووجع الحنين والذكرى كمكة العتيقة. وليس هناك صورة حبست لحظة  " مكة المفقودة " أكثر مما فعلت هذه اللقطة البانورامية التاريخية التي تعد أول صورة موثقة للبلد الحرام والبيت العتيق تم التقاطها قبل نحو 134 عاما من فوق أبي قبيس، أقدم جبال الأرض، وشيخها الأمين.

وادي إبراهيم المقدس، مزروعا بمساكن الأنس، ومرابع الإيمان، وينابيع الحياة اليومية. تتدافع مناكب البيوت، وأعتاب عماراتها وكأنها في عبادة أبدية في أرض الصلاة. كلما دنت شرفاتها ونوافذها الملونة من الحمى الطاهر، تحولت الى مهج جائعة تطلّ ببوح أفراحها في سكينة وطمأنينة رغم رهبة المقام المقدس.. كلّ الجبال والقلاع والمباني تنكس رؤوسها مهابة لسناء الكعبة المشرفة ومآذن البيت العتيق، في ميزان هندسي لا تخطئه عيون القلوب وأحاسيس البصر.

تفاصيل صغيرة، تتنفس من مسام أخشاب الأبواب والنوافذ والرواشين المزركشة، وشبابيك الأسطح بطين الآجور الملون. تبدو وكأنها قُدتّ من روح واحدة. تتباين الأشكال والألوان والارتفاعات لكنها جميعا تفيض بالروح والمهابة  رغم الاحتشاد والتدافع.  كل الطرقات تصافح المنازل والمرابع والأسواق لكن وجهها يبقى ملتفتا دوما صوب القبلة. لم تنس الطرق والأزقة أن وظيفتها الرئيسة ـ في البدء والنهاية ـ  إغراء خطوات العابرين وأخذها في حنو ومودة إلى أماكنها المنتظرة في البيت العتيق.

الصورة البانورامية لم تحبس لحظة ضوء وظلّ وحركة فقط، بل أشرعت المجال واسعا لروح الهوية المكيّة المقدسة، في مشهد منسوج بالأسرار والأسئلة المعلقة. لم تقدم عدسة الكاميرا إجابات بقدر ما بدا حرص صاحبها عكس معان القيّم المجرّدة، وجوهر الإيمان العميق بقداسة المكان والمكانة وحسب.

تزاورت عين الكاميرا حول المؤمنين، وهمّ في فجوة منها، عن صلوات وطواف وتراتيل خلف ستائر الظلّ والأعمال بالنيّات، وأفسحت لنور الشمس وحدها ذات اليمن وذات الشمال لتنفخ الروّح في ذاكرة الأمكنة لتحكي ببساطة، عن أدق أسرار الهويّة المكية المقدسة.

اليوم، مضى كل شيء إلى غايته. ولم يبق من صروف الدهر أي تفصيل حبسه الضوء سوى قدس الأقداس؛ كعبة البيت العتيق. كل ما ومن عليها فان. أحياء وبيوت، وطرقات وقلاع، ومآذن وأروقة ورؤوس جبال. لم يبق غير محضّ تذكار لواقع ساد ومن ثم باد إلى غير عودة!.