السبت، 27 ديسمبر 2014

وصف لمحيط مبنى المولد النبوي يناير 2014م ـ من قصة مسار الفتح


 
مبنى مكتبة مكة المكرمة (باللون الأصفر) وفي إحدى غرفه موقع مولد النبي صلى الله عليه وسلم

في قمة جبل خندمة كانت البلدوزرات تأكل في نهم واضح جسم صخوره. كان أنين الجبل وتوجعه حسيا لا تفهمه قوارض الحفارات ولا عمال الإزالة الذين يتناوبون عليها ليلا ونهارا لإنهاء مهمتهم العاجلة.

كان المشهد مهولا بمعنى الكلمة. ويعجز الناظر عن وصف نشاط وحركة الحفر والهدم الذي أزال والى الأبد الجزء الذي كانت فيه أول معالم ومرابع طفولة وصبا وحياة النبي محمد في مكة لأكثر من 53 عاما قبل هجرته صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة.

صورة بانورامية لشعب بني هاشم في مكة 
لم يعد هناك شعاب بني هاشم حيث كانت بيوت النبي وآله وأصحابه السابقين في الإسلام. ولم يستطع خندمة بكل صلادة حجارته الجرانيتية الصمود أمام حفارات جائعة تقرض بأسنانها الفولاذية ذاكرة وذكرى المكان الذي تعطرّ بسيرة ومسار مكة النبوية.

تحول شعب بني هاشم الى فجوة صخرية عميقة ليربض في جوفه كسارة ومصنع لتجهيز وجبات الإسمنت الخرساني بحصوات جبل بدا أمام الجميع مستسلما لقدره المحتوم.

كانت عين الشمس تبدو غاضبة في كبد السماء، وبدا كل شيء بلا ظل حتى نادى مؤذن البيت العتيق الى صلاة الظهر. توقفت سحب عوادم الحفارات وتلاشى سواد فعلها وسط رياح خفيفة. وأنتظم بعض العمال والمشرفين في صفوف متناثرة للصلاة صوب الكعبة المشرفة تحت ظلال بلدوزراتهم!.

كان صدر الأفق يضيق بألسنة حديدية متشابكة للروافع والونشات تعمل ليل نهار في إعلاء أبراج وناطحات لتوفير مطلّ شاهق على الكعبة المشرفة. وبدا واضحا في بطن وادي إبراهيم تفاصيل توسعة الحرم المكي الجديدة وهي تتمدد في اتجاه فضاء تم تهيئته في جسم خندمة شمال شرق وادي إبراهيم الخليل.

لا تزال بضع بيوتات قديمة وآيلة للسقوط مأهولة للآن بعمالة باكستانية، وهي وطرقاتها غارقة بأكوام من المخلفات والعيون المتسائلة عن سبب وجود وجوه غريبة عن المكان!.

كانت عين الساعة في برجها العالي تراقب كل حركة وسكنة تجري تحتها في بطاح مكة. وبدا أن لا الأفق ولا صدور الناس اعتادت بعد ابتلاع وجودها الطاغي على كل شيء حولها.

في سفح كتف خندمة الغربي، كان يبدو مبنى من طابقين وحيدا خاليا من كل جوار إلا جوار الصفا والمروة على مسافة لا تزيد عن 455 مترا أمام الميلين الأخضرين في المسعى. هذا المبنى الذي بني بأمر من الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله يضم مكتبة مكة المكرمة، وفي إحدى غرفه يقع مكان ولادة السيدة آمنة بنت وهب بيتيم مكة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

حفارات وبلدوزرات تلتهم شعاب جبل خندمة في مكة

كان غبار الحفر وأتربة قصّ وإزالة صخور الجبل تعفّر وجه وحوائط المبنى التاريخي، وسارعت أمانة العاصمة المقدسة مؤخرا (2013م) بطلاء جدرانه الخارجية بلون أصفر جديد وغير ومعهود على المبنى المجلل دوما بحلل البياض. بدا لونه قريب الشبه من جلد البلدوزرات وهياكل الحفارات وأعناق الونشات المحيطة به من كل حدب وصوب.

كان اليقين الذي لم يخالج شك الجميع أن عيون وأسنان جحافل البلدوزرات تراقب المبنى من علو سفح خندمة. والمؤكد أنه لن يمض وقت طويل، وربما في غضون عام واحد، ليكون وجبتها القادمة استعدادا لإنشاء مباني ومصطبات بحسب مخططات توسعة الحرم المكي في الساحات الشمالية. وتلك قصة أخرى، يغلفها غموض مقصود!.


السلام عليك أيها النبي يوم ولدت ويوم تبعث حيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم