الأحد، 6 ديسمبر 2015

عن زيارة النساء للمسجد النبوي.. الأجوبة عمياء؛ وحدها الأسئلة ترى!

صورة تاريخية بعدسة صحيفة عكاظ عن زيارة النساء للواجهة النبوية الشريفة سابقا (انترنت)

·       عمر المضواحي

على عكس ما كان منتظرا، تتقلص حظوظ النساء عاما بعد عام في أوقات الزيارة المخصصة لهن في المسجد النبوي الشريف، انتهت الآن بمنع مطلق لوقوفهن أمام الواجهة النبوية الشريفة ومن كل جهات داخل المقصورة الشريفة للسلام على النبي وصاحبيه رضوان الله عليهما، وتقليص متواتر لمساحة صلاتهن في حيز ضيق أقصى الروضة الشريفة.

وفيما يبدو استندت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمنع زيارة النساء للقبور ـ الذي يجيزه الإمام مالك وأهل المدينة ـ  الى فتوى شهيرة لفضيلة الشيخ العلامة محمد ابن عثيمين تقضي بمنع النساء من زيارة القبور، وعدّها من كبائر الذنوب، مقدما بين يدي فتواه ـ رحمه الله تعالى ـ  الحديث النبوي الوارد في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن ابي هريرة قال: قال رسول الله " لعن الله زوّارات القبور"، وهو مذهب بعض الشافعية وشيخ الاسلام وابن القيم الى التحريم.

وضع النساء حاليا في المساحة المخصصة للصلاة في الروضة الشريفة

قبل نحو تسع سنوات مضت، تقرر رسميا فتح ابواب المسجد النبوي على مدار الساعة يوميا وطوال العام. قبل العام 1428هـ كانت أبواب المسجد النبوي الشريف تغلق عند تمام الساعة 11 مساء من كل يوم، ويعاد فتحها قبل نحو ساعة كاملة من رفع أذان صلاة الفجر.

لا ينسى أهل المدينة المنورة هذا الفضل الذي سعى فيه أميرها السابق الأمير عبدالعزيز بن ماجد وأستجاب له الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وأصدر توجيها ملكيا ساميا بنفاذ ذلك عشية يوم الثلاثاء 27 رمضان 1428هـ ( 09 أكتوبر 2007م).

ومع كل توسعة أو تطوير جديد لعمارة المسجد النبوي، تنحاز كل الدراسات والتصاميم الهندسية، ومن ورائها تنظيمات الرئاسة المتواترة، الى تجفيف حضور النساء للصلاة في الروضة الشريفة، و قصقصة حظوظهن في زيارة مرقد النبي ﷺ. في مقابل بذل كل جهد ممكن لتيسير كل ذلك لصالح الرجال وحسب، ما يصم نهج رئاسة شؤون الحرمين الشريفين بكونه ذكوريا وبامتياز!.

من المنتظر في نهاية شهر ديسمبر الجاري أن يلتقي وفد من مهندسي معهد أبحاث الحج والعمرة بكبار المسؤولين في أمارة منطقة المدينة المنورة بحضور عدد من المسؤولين في الجهات المختصة ذات العلاقة بعد أن أوكل للمعهد التابع لجامعة ام القرى في مكة ويتوفر على فرع واحد له في المدينة، دراسة أفضل الطرق الهندسة لتوسعة المبنى القديم للمسجد النبوي لإتاحة المجال لأكبر قدر ممكن للزيارة والسلام على النبي ﷺ وصاحبيه.

وكان وكيل معهد أبحاث الحج والعمرة الدكتور محمد إدريس قد انتهى وفريق من المهندسين بوضع ثمانية بدائل مقترحة لزيادة الطاقة الاستيعابية للزوار ستعرض خلال الاجتماع المنتظر لاختيار الأنسب منها.

المهندس أنس صيرفي خلال شرحه لمقترحاته عن تحسين ظروف زيارة النساء للمسجد النبوي

بالعودة الى قصة الأمس المنشورة (صفحة 20في صحيفة مكة المكرمة بعنوان "هل حان وقت تحسين أوضاع زيارة النساء للمسجد النبوي؟" والتي استعرضت محاضرة قيمة القاها المهندس أنس بن محمد صالح صيرفي رئيس شركة طيبة القابضة وعضو الجمعية السعودية لعلوم العمران في جدة، نجد انها حرصت على التذكير بأهمية توفير بدائل مماثلة لزيادة الطاقة الاستيعابية للنساء في الروضة الشريفة وتسهيل تنظيم زيارتهن أيضا، خاصة وان المشاكل التي يتعرضن لها عند الدخول والزيارة والخروج تبدو أكبر مما هو معروف في الحيز المخصص للرجال. 

وعلى قاعدة "الأجوبة عمياء، وحدها الأسئلة ترى" سنحاول هنا أن نناقش بهدوء ومحبة في إطار من الصراحة والوضوح، مقدمين بين يدي القارئ الكريم قراءة نزعم أنها أوسع أفقا وأشمل طرحا، مع بحث لربط كل خيوط الموضوع الشاردة والواردة؛ لنُمسك بحبلها الوثيق عُرى رؤى نظن أنها جادة ومخلصة تستحق النقاش والاحتواء في صدر من التسامح والتفهم، كما هو المأمول دوما من الجميع.

وضع النساء في الروضة حاليا عند مكبرية الآذان في المسجد النبوي

نبتدر سلّة الأسئلة من هنا؛ لنقول أولا أين تقف التنظيمات الحالية والسارية المفعول الخاصة بتنظيم زيارة النساء للمسجد النبوي؟. وهل التنظيمات الحالية تشي بالحرص على راحة وسلامة السيدات صغارا وكبارا وهن يمثلن ربع اعداد الزوار في أقل تقدير وفسح المجال لهن بالصلاة في الروضة الشريفة بيسر وسهولة؟.

لماذا لم تستهدف هذه التنظيمات تحقيق العدالة للنساء أسوة مع زوار المسجد النبوي من الرجال، كما كانت عليه سابقا ولعقود وربما قرون طويلة بلا تفضيل ومحاباة لطرف دون آخر؟!.

ألم تقدر تلك التنظيمات مجافاتها لأبسط حقوق النساء اللائي شددن رواحل الشوق والإيمان والمحبة لزيارة المسجد النبوي والسلام على النبي ﷺ والصلاة في الروضة الشريفة؟.

أليس لمن وضع وطبق هذه التنظيمات نساء يحبون زيارة مسجد النبي ﷺ والسلام عليه وصاحبيه والصلاة في الروضة الشريفة بلا عوائق وعنت ومشقة، كما يفعل الرجال في غالب أيام وليالي العام؟.

ألم يدرك من وضع تنظيمات غير منطقية ولا منصفة أمام زيارة النساء سيخلق مشاكل عدة وعويصة تسيء لجهود المملكة الناصعة بأحرف من نور في خدمة الإسلام والحرمين الشريفين؟.

ألم يكن من البديهي عند من وضع تلك التنظيمات لإدارة حشود الزائرات أن يستهدف تسهيل مهمتهن لا أن يجعل من التنظيم نفسه مشكلة مصطنعة ثم يبحث لها عن حلول؟!.

ثم، الا يحق لنا أن نرفع سؤالا جوهريا نتساءل فيه بصراحة عن أسباب تغير الموقف فجأة، ولماذا قررت التنظيمات الحديثة منع قيام النساء من حق التشرف بالسلام وزيارة النبي ﷺ وصاحبيه بعد أكثر من 1430 عام؟!.

ما الذي تغير الآن، فطوال العهد السعودي الزاهر كان يسمح للنساء بالوقوف أمام الواجهة الشريفة والسلام عليه ﷺ وعلى صاحبيه رضوان الله عليهما.

هل بات قبر النبي ﷺ فجأة كسائر قبور المسلمين، وأصبح حكم زيارته والسلام عليه ﷺ يخضع لاختلاف مذاهب وآراء علماء المسلمين المتقدمين منهم والمتأخرين؟!.

هل تشدد التنظيمات المستحدثة أخيرا لمنع النساء المسلمات من غير المواطنات تحديدا من زيارة قبر النبي والسلام ﷺ تعكس الصورة الناصعة لمملكتنا التي تضم مهبط الوحي، وفيها ومنها خرج الإسلام الى العالمين فضلا على دورها المحوري في رعاية الحوار مع المذاهب الإسلامية، والتقارب مع أهل الديانات السماوية؟!.

سيدة تشير الساتر الحاجب للتواصل البصري مع المقصورة الشريفة من الجانب الغربي لها

لماذا حرص التنظيم على نصب كل هذه السواتر والحواجز، وتفويج النساء على الهوية في مسارات وأوقات ضيقة، لا تكاد تشفي ضمأ المصليات، ولا تلبي أدنى درجات رضاهم؟.

هل إسدال ستائر الحجب على ما يحدث في القسم النسوي بالروضة الشريفة الآن يجعل عسف التنظيم وعنته بعيدا عن أعين النقد والمكاشفة؟.



ثم ألا يحق لنا هنا الآن، طرح التساؤل عن المرجعية التي يستند عليها تنظيم حشود زائرات المسجد النبوي ومنعهن عن زيارة قبر النبي ﷺ ويطبقه حرفيا؟!.

وهل المطلوب الآن أن يتناسى كل من وقف وقرأ ودرس وكشف عن توصيات دراسة علمية نشرت في أول عدد من مجلة علمية محكمة أصدرتها الجهة المنظمة والمشغلة للحرمين الشريفين؟!. وهل عليهم الآن رجالا ونساءً أن يستهينوا بذاكرتهم، وينسون توصيات دراسة عزل حجرات النبي الشهيرة، وما قررته من منع وتشدد قائم على باب سدّ الذرائع فقط؟!.



ألا يدرك كل عاقل الآن، أن تلكم التنظيمات الخاصة اتخذت من توصيات هذه الدراسة العلمية التي أعدها استاذا في قسم العقيدة بجامعة الأمام محمد بن سعود نبراسا ومنهجا واضحا يطبق بحذافيره خطوة خطوة، أمام سمع وبصر العالم أجمع؟!.

ألم تتعهد الجهة المنظمة والمختصة في بيان رسمي شهير العام الماضي من انها ملتزمة بقاعدة "عدم المساس بما مضى عليه العمل سابقا" في الحرمين الشريفين؟!.

وهل ما يحدث الآن من تنظيم لدخول النساء ومنعهن من زيارة قبر النبي ﷺ وتضييق المساحة المخصصة لهن في الروضة الشريفة مسّ بما جرى ومضى عليه العمل سابقا أم لا؟!.

الموضوع هنا لا يتعلق بمماحكة أحد أو التقليل من عمله وجهده، وهو كثير ومبارك فيه إن شاء الله تعالى، لكنه محاولة صادقة ومخلصة للمكاشفة ولبيان ما يحدث فعلا وعلى أرض الواقع تجاه فرض وضع متعسف جديد وغير معهود، أمام النساء خاصة.

إن ذاكرتنا ليست، ولن تكون يوما، كذاكرة الأسماك. وإن لدينا القدرة على استباق محاولة أي مغرض أو حاقد على بلدنا ووطننا والتشهير بسوء طويّة عن مثل هذه التنظيمات التي تمس نساء خمس سكان العالم من المسلمين. فلاتزال الدراسة العلمية الخاصة بعزل الحجرات الشريفة موجودة ومنشورة، والتنظيم الحالي لا يمهد للعمل بها فحسب، بل يطابق ما جاءت به من توصيات مغالية وينفذها حذو القذة بالقذة.

الحمد لله، نحن الرجال نزور ونسلم ونصلي في أي وقت ومكان نشاء، لكن معظمنا يأتون لزيارة المسجد النبوي الشريف وبرفقته امهات وزوجات واخوات وبنات ومحارم وجميعهن قاصرات الطرف والحيلة امام عنت هذه التنظيمات، ويقفن عاجزات أمام عدم قدرتهن على اداء الزيارة والسلام والصلاة براحة وسكينة واطمئنان مثل محارمهم من الرجال.

وضع ساتر ومساحة عزل عن المقصورة الشريفة
في الجهة الشمالية عند محراب التهجد ويلاحظ السجاد الأخضر

يشهد الله ومن حضرنا من الملائكة وصالح المؤمنين أنه لطالما خرجت زوجاتنا وبناتتا وأخواتنا ومحارمنا من حمى المسجد النبوي الشريف "وأعينهم تفيض من الدمع حزنا" أن لا يجدو فرصة للسلام والوقوف أمام قبر النبي ﷺ والصلاة بطمأنينة في الروضة الشريفة.

بالله كيف نرد عليهن وهن يقدمن بين يدي دموعهن قول الله تعالى "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" وأسفار كتب شيوخ التفسير لهذه الآية الكريمة والعظيمة؟.


إن حلول تنظيم زيارة النساء للحرمين الشريفين بشكل عام لا تحتاج الى كثير جهد، وتغير وتعديل وحجب وتشكيك في النوايا والمقاصد. كل ما علينا فعله فقط أن نكتسي حُلل التسامح وسلامة الصدر وعدم الإضرار بالنساء. وأن نكف عن صنع مشاكل عويصة جديدة، وأن نلتزم حرفيا بمبدأ "عدم المساس بما مضى عليه العمل سابقا" ووضع حلول وبدائل هندسية من أهل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة من الداخل والخارج. وأن تبنى هذه البدائل على قاعدة أن المسجد النبوي هو مكان مقدس له احكامه ومعاييره الخاصة، وأنه ليس متحفا أو مركزا ترفيهيا يشترط فيه وجود واستخدام كل المنتجات الانشائية المفرطة في العصرنة.

ليكن مثلا وقت زيارة النساء للسلام والصلاة في الروضة الشريفة مناصفة بين الرجال والنساء خاصة في المواسم كما مضى عليه العمل سابقا. وأن تمنع التنظيمات أي مساحة لجلوس الرجال خلف المحراب العثماني الحالي في غير وقت الصلوات الخمس طبعا. وان تشرع كامل المساحة من باب السلام الى باب البقيع لحركة الحشود للسلام على النبي وصاحبيه ثم الخروج والالتفاف الى الأماكن المخصصة لهن في المسجد وساحاته الخارجية. ربما سيكون المجال كافيا ومريحا وبرضى تام للرجال والنساء على حدّ سواء.

أيضا، إذا صعب تنفيذ هذا الحلّ البسيط، ماذا يمنع أن يتم تخصيص كامل المساحة أمام باب السيدة فاطمة الزهراء وبكامل هذا الضلع الشرقي والشمالي للمقصورة الشريفة للنساء وخروجهن من باب الملك عبدالعزيز للتوجه الى أماكنهن المخصصة.

أعلم يقنا أنني لست مهندسا ولا من أهل المهنة والاختصاص، لكنها مجرد رؤى سنحت لي لمحاولة تقديم أجوبة عمياء. لكن ما يهمني هنا طرح أسئلة بعيون مفتوحة ومبصرة فهي الوحيدة التي ترى!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم