الأربعاء، 29 يناير 2014

أكد أنها نبوية.. والدليل جغرافي بتواتر علمي ومحلي لأهل مكة


د. معراج يرد الإعتبار لبئر طوى ويؤكد صحة مكانه جواره لمسجد النبي



د. معراج مرزا يرفع يديه احتجاجا على نتيجة دراسة د. عدنان الحارثي التاريخية عن بئر طوى.


مكة المكرمة: عمر المضواحي
(خاص صحيفة مكة المكرمة)

لم يكدّ ينتهي د. عدنان الحارثي من عرض نتيجة دراسته التاريخية "إحياء بئر طوى" وإعلانه بعد بحث ودراسة أنه يخشى الله وجناب نبيه المصطفى على القول بدون دليل قطعي أنه عيّن مكان إغتسال النبي صلى الله عليه وسلم عشية فتح مكة في السنة الثامنة الهجرية، حتى علت أيادي الإحتجاج والإستنكار،
وسرعان ما سرت همهمات اعتراض مرتفعة في أروقة الخيمة، قطعها تدخل حاسم من مدير ورشة العمل الدكتور محمد إدريس وكيل معهد أبحاث الحج للدراسات، مطالبا الحضور بالهدوء والإنصات حتى تنتهي الورشة ليتاح المجال بعدها للنقاش والأخذ والردّ مع المحاضر.
. إدريس يحاول تهدئة حضور ورشة العمل.
وسارع الى تنبيه الحضور أن د. معراج نواب مرزا الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى والأستاذ الزائر بمركز التحليلات الجغرافبة بجامعة هارفارد الأمريكية سيعرض ردا مصورا ومزودا بالوثائق والخرائط والمصورات الجويّة بعد فراغ د. الحارثي من عرض دراسته التاريخية.
وقال د. إدريس: إن الإختلاف أمر جيد، ويصبّ في مصلحة الدراسة، وهو الطريق للوصول معا الى الحقائق الصحيحة. مشددا أنه يجب علينا أن نتأكد أننا جميعا في سفينة واحدة، وأن شاطئ الحقيقة وفنارها هو مقصدنا ووجهة الجميع.
صمتت الألسن، وانطوت سواعد الإعتراض، وبقيت دقات القلوب ولهاث الأنفس القلقة تُسمع وحدها وسط سكون حذر، وقابل للانفلات في أي لحظة. (فضلا راجع عدد الأربعاء الماضي 22 يناير 2014 صفحة مكيّات).

جامعة أم القرى
وطوال ساعة من الزمن تحولت ورشة العمل بين الرجلين المحترفين الى حلبة صراع فكري حول التاريخ ومناقشة علمية لمعطيات الجغرافيا في شكل بالغ الإثارة والحماس والفائدة للحضور، في شكل يؤكد نجاح جامعة ام القرى في أن تكون أروقتها وقاعاتها الدراسية صحيّة ومتميزة بالنقاشات وعرض الآراء المختلفة في إطار من الإحترام وحريّة الرأي والرأي الآخر.
 
كان أول درسّ مستفاد إصرار د. معراج مرزا على إظهار إحترامه وتقديره الجم لزميله د. عدنان الحارثي ومناقشته من مكانه بين الحضور، مشيدا بجهده وعلمه وتميزه. وقال: اوافق د. الحارثي على (سرد) المواقع التاريخية لكنني لا أوافقه على إسقاطه للمواقع التاريخية على الواقع الجغرافي فالأمر يحتاج إلى دراية جغرافية ومعايشة للبيئة. مشددا على أن "الكلمة هنا للجغرافيا وتدعمها الشواهد و النصوص التاريخية".
وقال في ثقة وحسم: بعد دراسة وبحث تاريخي وجغرافي وفحص دؤوب لكل المعطيات والخرائط والصور إن المسافة بين بئر طوى ومسجد النبي لا تتجاوز 200 متر فقط بينهما. وأرجح أن تكون البئر المعروفة اليوم "بئر طوى" هي البئر التي اغتسل من مائها الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وصحابته الكرام، واستمر العمل بذلك جيلاً بعد جيل حيث أن التواتر المحلي وما ذكره الفقهاء في كتب المناسك موجود وموثق. فلو كانت هناك بئر أخرى أو مكان آخر لعرفه الصحابة رضوان الله عليهم ولتتبع أثر ذلك التابعين وذكره الفقهاء.
 
حدود وادي ذي طوى بين الخطين باللون الأزرق الداكن.

 الكلمة للجغرافيا.. لا التاريخ!
في البداية أحب أن أحدد حوض وادي ذي طوى في مكة. وأنه يبدأ من أعلى شارع الجزائر (حاليا) عند المنطقة الجبلية منه مرورا الى طريق شارع الحجون ومنه الى شارع البياري ليهبط الى موقع البئر مباشرة. ويستمر الوادي جنوباً حتى ينتهي إلى قوز النكاسة مروراً بالتنضباوي و المسفلة حيث يلتقي بوادي إبراهيم. ووادي طوى أحد روافد وادي إبراهيم المنتهي مع وادي عرنة. (صورة رقم 3)
وأحب أن أؤكد هنا أن مسمى طوى يطلق على كامل الوادي من أوله إلى آخره، وليس محدداً بين الثنيتين فقط ، ثنية الحجون والثنية الخضراء. وأن ما يعرف بالثنية الخضراء هي ثنية الحصحاص (ريع الكحل)، أما ثنية (ابي لهب) فكانت تعرف بالثنية البيضاء وهي أقل إرتفاعا من الحصحاص لكنها مهدت مرارا حتى نقصت، وهي غير الثنية البيضاء التي بين التنعيم - وفخ (الزاهر).

وهناك إشارة عند المؤرخ الفاسي في كتابه (شفاء الغرام) عندما تحدث عن الآبار في مكة، تكلّم عن بئر أم النعمان عند بطن ذي طوى على مقتضى ما ذكره عن الأزرقي مباشرة. وقال: عن نافع عن إبن عمر أنه كان إذا قدم مكة نزل في ذي طوى. فلم يكن إبن عمر رضي الله عنه ينزل في غير ذي طوى كصحابي جليل، إلا لحرصه ولتتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة.


جرول مسجد النبي في طوى بقبة بيضاء أقل إرتفاعا من قبة محمود المقابلة له على مفترق الطريقين (1).
مسجد النبي بطوى!

وذكر مؤرخ مكة (الفاكهي) في باب المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة وآثار النبي فيها.... "ومنها مسجد في ذي طوى عند مفترق الطريقين (طريق التنعيم المتجه للمدينة عن طريق أبو لهب، والطريق الآخر الى جدة) يقابله مسجد النبي صلى الله عليه وسلم". وهذا المكان عندما شرحه محقق كتاب (أخبار مكة: الفاكهي) قال: وهذا المسجد على يمينك وأنت متجه الى بئر طوى عند مفترق الطريقين مقابل مقبرة الشيخ محمود (إبن إبراهيم أدهم أحد علماء أهل السنة والجماعة وهو من أعلام التصوف الديني قدم من بلخ في العراق الى مكة في القرن الثاني الهجري)، وقد أزيل في توسعة الشارع المذكور في حدود عام 1410هـ. وهذا الذي كان يعرف بمسجد القبة (الصورة رقم 2).

صورة هامة من د. معراج ميرزا توضح مكان مسجد النبي في طوى الذي أزيل في العام 1410 هـ لتوسعة الطريق (2)

وسمعت الليلة من أخي د. عدنان أن المسجد أقيم في المكان الذي أغتسل أو توضأ فيها الرسول، وأرى أن رأي سعادته قد جانب الصواب، بل أقيم في المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم تكن المساجد تقام حيث يغتسل النبي بل حيث كان يصلي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف للجميع.
 

كتب المناسك وفضل ذي طوى
أشار د. معراج الى أن كلّ كتب المغازي والسير والمناسك ذكرت هذه البئر (طوى). وفي كل كتب المذاهب السنية الأربعة وجد أيضا ذكر للإغتسال في بئر بذي طوى.. وقال:

في كتب المناسك، عند جماعة من كبار الفقهاء على أنه "من السنة لمن أراد دخول مكة لحج, أو عمرة أن يغتسل لدخولها من بئر ذي طوى، إذا كان طريقه عليها؛ لرواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد دخول مكة اغتسل بذي طوى؛ ولأنه يدخل إلى مجمع الناس لأداء عبادتهم، فاستحب له الغسل كالجمعة والعيدين، واستحب الإمام الشافعي بئر ذي طوى؛ إتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم لمن سلك طريقه".
وهناك اشارات للفقهاء عن (فضل) النزول في طوى والمبيت فيه وهذا دليل ان المكان اصبح معروفاً ومتواتراً منذ فترة مبكرة للتاريخ حيث كانوا ينزلون فيه للمبيت، وفي الصباح يغتسلوا من ماء بئره ويؤدون صلاة الفجر ثم يدخلوا مكة.

وفي المذهب الحنفي نصّ على أنه إذا وصل المُحرِم أول الحَرم يستمر في التلبية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء "إلى أن يصل بذي طوى فيغتسل من ماء بئره أو غيره". وما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم  يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله". فهو محمول على الإستحباب.

ويقول العلامة أبو العباس القرطبي "ولا خلاف في أن المبيت بذي طوى، ودخول مكة نهاراً ليس من المناسك، ولكن إن فعل ذلك إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتتبعاً لمواضعه كان له في ذلك ثواب كثير، وخير جزيل". وعن نافع أن عبدالله (إبن عمر) حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بـ "ذي طوى" ويبيت فيه حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة. ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمة غليظة. "ليس في المسجد الذي بني ثمّ، ولكن اسفل من ذلك". وهذا يعني أن الأكمة على طرف جبل، فمن المستحيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أغتسل وصلى مكان غسله.

مصلى النبي في حجة الوداع
وهناك توصيف دقيق لمكان صلاته صلى الله عليه وسلم في ذي طوى "وعنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة. يجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد الذي بطرف الأكمة، ويصلي رسول الله صلى عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء يدع من الأكمة عشرة اذرع أو نحوها ثم يصلي مستقبل الفرضتين بين الجبل الطويل الذي بينك وبين الكعبة صلى الله عليه وسلم" رواهما مسلم. فالمسجد بني في المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وكان معروفا الى فترة قريبة قبل أن يزال.

رقم 1
 
صورة نادرة لمسجد النبي في طوى
كشف د. معراج عن صورة تاريخية نادرة لمنطقة جرول (الشيخ محمود – بئر طوى) جلبها من أرشيف المستشرق "سنوك هورخرونيه" في مكتبة جامعة لايدن بهولندا. وقال: كنت مؤخرا (ديسمبر 2013م) في مدينة لآيدن في هولندا وقابلت (علماء مستشرقين هناك) وأطلعت في مكتبة جامعة لايدن على مجموعة صور تاريخية نادرة لمكة المكرمة في أرشيفهم لم تنشر حتى الآن.

وقال: شخصيا أول مرة أرى هذه الصورة (رقم 1) التي يصل عمرها الى 130 عاما وهي توضح قبة الشيخ محمود وحي جرول والمقبرة القديمة ومكان قصر (حمد) السليمان الحالي، كما تظهر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانه على مفترق الطريق الرئيسي، أحدهما باتجاه التنعيم الى المدينة المنورة عن طريق أبو لهب والآخر على طريق المؤدي عبر أبي لهب الى مدينة جدة. وهو على مفترق الطريقين الذي ذكره الفاكهي في كتابه أخبار مكة.

د. الحارثي يناقش صورة قديمة لوادي طوى عرضها د. معراج مرزا
الثنية البيضاء تثير نقاشا
أختلف الدكتوران الحارثي ومعراج على تعريف مكان الثنية البيضاء في ذي طوى. د. الحارثي يقول انه تتبع الطريق جيدا بعد إطلاعه على النصوص التاريخية، وأن الثنية البيضاء للقادم من التنعيم الى فخ وهو المعروف اليوم بالزاهر، وهذا معناه أن الثنية البيضاء الى الخلف وبين التنعيم والزاهر.


أما الدكتور معراج فيذكر موضحا أن هناك ثنيتان بإسم البيضاء الأولى بين التنعيم وفخ والثانية بين ذي طوى والزاهر(فخ) مستندا هو أيضا على ما ذكره مؤرخا مكة المكرمة الأزرقي والفاكهي.
هنا عاد د. الحارثي للتأكيد على أنه تتبع هذه الثنايا (في ذي طوى) وكتب مقالا عنها. وقال: كي ندرك ونتصور الموضوع بدقة ونطابقها على النصوص المتوفرة لدينا يستحسن أن نرجع سويا لها لمراجعتها. وقال د. الحارثي دعونا نحضر خريطة المساحة المصرية التي أملك نسخة أصلية منها لأنها توثق المسار بشكل صحيح ونتداولها في لقاء قادم بحول الله.

فيما ردّ عليه د. معراج بقوله: أوافقك على شرحك للمواقع التاريخية في ذي طوى، لكنني لا أوافق على دقة إشارتك على المواقع الجغرافية فيه. إن الواقع الجغرافي لذي طوى توضحه المصورات الجوية بدقة وهي فصلّ الخطاب في هكذا نقاش. مرحبا بلقائه في أي وقت لمناقشته وتوضيح ذلك على خرائط المواقع الجغرافية.
واختتم د. معراج مرزا مداخلته بشواهد من دراسة علمية قام بها أ. د. عبدالوهاب أبو سليمان بعنوان "الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة" ذكر فيها منهجية البحث العلمي في الإسلام. وخلصت الدراسة الى التالي:
1)     التواتر العلمي حجة في الشريعة الإسلامية، وكذلك التواتر المحلي وهما وسيلتان قطعيتان تثبت بهما الأحكام الشرعية.

2)     التشكيك فيما ثبت بالتواتر، سواء العلمي، أو المحلي جناية مغلفة على تاريخ الأمة، وهدم لقطعياتها، بل تشكيك في الأصول التي تثبت بهما وهو أمر خطير شرعا لمن يدرك حقيقة هذا النوع من الإستدلال وأهميته الشرعية.
في عدد الغد ( الخميس ) تختم صحيفة مكة المكرمة النقاشات الثرية التي طرحت حول الدراسة التاريخية لإحياء بئر طوى وما صاحبها من ردود وتعليقات د. عدنان الحارثي وعميد معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج د. عبدالعزيز السروجي.
جانب من نقاشات ورشة عمل إحياء طوى مع د. عدنان الحارثي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم