الأربعاء، 22 يناير 2014


د. عدنان الحارثي يعلنها صريحة:

بئر طوى ليس له علاقة بمغتسل النبي في فتح مكة! 

صورة حديثة لبئر طوى في مكة. 
 
مكة المكرمة: عمر المضواحي
(خاص بصحيفة مكة المكرمة)
فجرّ الدكتور عدنان بن محمد الحارثي الشريف مفاجأة من عيار ثقيل بإعلانه أن بئر طوى الحالي لم يثبت له بعد دراسة تاريخية علمية، استمرت نحو ستة أشهر، أنه عين مكان مغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في وادي ذي طوى المشهور في مكة.

وكشف د. الحارثي في ورشة عمل علميّة نظمها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الشهر الماضي لمناقشته بعد تكليفه باعداد دراسه تاريخية عن "إحياء بئر طوى" أن كلمة طوى كبئر لم تطلق على بئر موجود في وادي ذي طوى في الفترة المبكرة ولا في زمن فتح مكة. وقال: كوني لم أثبت حقيقة فهذا لا يعني أنني أنفي وجودها. وهذ منهجي العلمي في البحث.

ولخص د. عدنان وهو عميد شئون المكتبات في جامعة أم القرى رأيه بعد نقاش ساخن شهدته ورشة العمل، أن المكان الذي ينبغي الاعتناء به هو وادي ذي طوى كله وليس بئر طوى الحالي فقط. معلنا تأكيده أن البئر جزء من منطقة الوادي. لكن ينبغي أن يعرف الناس أن ذي طوى هو إسم مكان الوادي الذي دخله الرسول صلى الله عليه وسلم وأناخ فيه وأغتسل فيه في الفتح والعمرة وحجة الوداع، وكذلك فعل الخلفاء والصحابة والتابعين ومن بعدهم من الملوك والخلفاء وغيرهم إذا قدموا حاجين الى مكة وأنهم كانوا يبيتون فيه إقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

مشيرا الى أن هذا يعززه ويؤكده نصوص ثابتة وصريحة. وطالب أن يتفهم الجميع موقفه العلمي، مشددا على أنه من الواجب علينا أن نحتفظ بمبنى البئر الحالي كدلالة تاريخية، ولكن لا ننسبه الى النبي صلى الله عليه وسلم دون دليل ثابت وقطعي.

صحيفة مكة المكرمة حضرت ورشة العمل المثيرة، ورصدت كل أحداثها وتطوراتها، وما تلاها من جلسات نقاشات علمية مع عدد من الخبراء والمختصين في تاريخ مكة يتقدمهم د. معراج نواب ميرزا استاذ الجغرافيا في جامعة أم القرى وفي حضور وإشراف من عميد المعهد د. عبدالعزيز السروجي، ووكيله للدراسات د. محمد بن عبدالله إدريس الباحث الرئيس في الدراسة التاريخية عن إحياء بئر طوى.

في هذا الجزء المخصص لرصدّ اهم ما ورد في إستعراض د. عدنان الحارثي لدراسته في ورشة العمل، على أن تنشر في الإسبوع المقبل كامل الردود العلمية التي تصدى لها د. معراج ميرزا، ومناقشات الحضور التي تميزت باطروحات ثرية وعميقة للرد على ما توصل له الباحث في دراسته.
 
 
د. عدنان الحارثي يعرض دراسته التاريخية المثيرة في ورشة عمل في معهد أبحاث الحج 


بدأ الدكتور عدنان الحارثي حديثه بتأكيده المسبق على أن هذه الدراسة غيرت حتى مفاهيمه وتصوراته السابقة عن بئر طوى. وأنه لم يتوقع قط الوصول الى هذه النتيجة في ضوء المعطيات التي توفرت لديه خاصة بعد حرصه الاعتماد على مجموعة من المصادر الأساسية التي كانت تعنى بالنصّ كمعلومة تاريخية، إبتداء بالأزرقي والفاكهي ثم الفاسي وصولا الى العصر الحديث ومؤلفات الغازي والكردي وغيرهم الى جانب كتب الرحالة والمصادر العلمية الأخرى.

أضاف د. الحارثي وهو يشرح رؤيته على صورة خريطة تحمل مخططا لوادي ذي طوى مشيرا الى الثنية الخضراء (ريع الكحل حاليا) وثنية الحصحاص: عندما بدأنا البحث في إحياء بئر طوى بدأنا بدراسة مسار جيش الفتح، وعندما تتبعنا التفاصيل فوجئنا بالمعطيات المتوفرة لدينا. ووجدنا أن المادة تسير في مسار غير المسار الذي نعرفه بعد دخول جيش الفتح الى وادي مرّ الظهران (الجموم حاليا) ثم الى التنعيم فالثنية البيضاء، الى بطن مكة (فخ) مرورا بثنيّة الحصحاص حتى نزوله في وادي ذي طوى.


شريحة مصورة من الدراسة  تحدد دخول جيش الفتح الى وادي طوى
وادي ذي طوى
يقول: يبدو أنه مع مرور الزمن إنحصر كل مسمى الوادي في البئر الحالي فقط، بينما كان في مرحلة الفتح وما بعد ذلك الى زمن الأزرقي والفاكهي، كان ذي طوى مساحة فضاء تمتد ما بين المقبرة (الحجون) الى الثنية الخضراء (ريع الكحل) كما تمتد أرض الوادي الى ثنية كداء (ريع الرسام) أي ما يعرف حاليا بالعتيبية وما جاورها من أحياء الى مطلع الشبيكة تقريبا. وكل هذه المنطقة كان يطلق عليها ذي طوى وبالتالي فلابد وأن نتخيل من أين دخل جيش الفتح يومئذ الى الوادي.

ولأن القوات دخلت من جميع الجهات، فإن ما أميل إليه هو أنها ربما لم تدخل ذي طوى من ثنية واحدة لأن عدد الجيش كان عشرة آلاف مقاتل، بل أرجح أنها دخلت من ثنيتي الخصخاص والخضراء معا. وعندما أطمئن النبي صلى الله عليه وسلم أن القوات توزعت من ذي طوى في الاتجاهات المطلوبة وفق الخطة التي وضعت في مرّ الظهران خرج عائدا واتجه الى وادي فخ ومنه الى الأذاخر ثم ريع الأخنس (الخانسة حاليا) ثم مرّ ببئر ميمون ابن الحضرمي (في الغسالة حاليا) ثم نزل الى الأبطح.

وبعد أن استقرت القوات وفتحت مكة توجه النبي صلى الله عليه وسلم الى جبل الحجون، وهو غير الجبل المسمى الآن، بل الصحيح أنه كان يطلق على الجبل المقابل له الآن في زمن الفتح. وكان في هذا الجبل بروز (كتلة صخرية) تسمى قرن مَصّقلة وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عليها والقى كلمته المشهورة حول حرمة مكة وبايعه أهلها هناك، ثم توجه الى الحرم الشريف.

مغتسل النبي في طوى
بالنسبة الى اغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذي طوى يقول د. الحارثي: النصوص تشير بشكل عام أنه صلى الله عليه وسلم إغتسل في ذي طوى المكان. وتشير بعض المعطيات الى أنه أغتسل صلى الله عليه وسلم في ربوة وبات عليها، وبعد ذلك كان أهل مكة يُعلّمون مكان هذه الربوة بمسجد كان يقع أمامها وللأسف لم نجد شيئا عن هذه الربوة ولا معطيات لدينا من مصادر الدراسة تؤرخ لنا عن هذا المسجد، ولم نعرف أي مسجد هو من بين المساجد الموجودة في المنطقة، كون المصادر بعد ذلك تسكت عن قول المزيد. وقد يكون مسجد ذي طوى أندثر واختفى ذكره.

أيضا، وجدنا أنه ليس لدينا مصدرا الى بئر معينة سوى نصّ واحد عن نافع ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا دخل النبي مكة أغتسل عند بئر أبي عنبسة. وقال: ويخبرنا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عندها دون أن يذكر أنه صلى الله عليه وسلم أغتسل منها، ولكنه يعطي إنطباعا بذلك. وهذا مؤشر قد يكون معتبرا، لكن تعرفون أننا لا نستطيع التجرؤ على مقام النبي صلى الله عليه وسلم الشريف إلا بعد التثبت والتأكد واليقين خشية أن نقع في موقع من كذب علي عامدا متعمدا. فلم نجد ذكرا لبئر (أبي عنبسة) ضمن الآبار التي تحدثوا عنها وحددوها. وحاولت أن أجد أي نصوص وبأي طريقة في كتب الرحالة أو غيرهم عن هذه البئر (رغم أن لها مؤشر واضح) ولم أجد لها أي ذكر للأسف الشديد.
النصوص التي وردت بعد ذلك، حتى في كتب الصحاح، جاء في الحديث أن ابن عمر رضي الله عنه كان اذا جاء الى ذي طوى يبيت ويغتسل. دون أن يذكر بئرا معينا يغتسل عندها. وأيضا الأزرقي والفاكهي لم يذكرا تحديدا لأي بئر معينة رغم انهم كانوا حريصون على ذكر هذه الأماكن. ولنأخذ مثالا على دقتهم وتتبعهم أنه عند الحديث عن الصفا ودرج الصفا ذكروا أن أهل مكة وضعوا علامات لموضع أقدام النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من الصفا.

هذه الدقة في التتبع لم نجدها هنا (بئر ذي طوى) وهذا يعني أنه كان هناك غموض بالنسبة لهم ولم يستطيعوا تقديم شيء عنه. بعد ذلك تتبعنا كتب الرحالة الذين كانوا ايضا يتابعون هذه الأماكن باهتمام كبير مثل إبن جبير والفاسي العبدري، فلم نجد في كتبهم غير أنها تقول انهم اعتمروا في التنعيم ثم اغتسلوا وباتوا في ذي طوى دون أن يحددوا بئرا معينة أو أن هذه البئر هي بئر طوى الحالي.
أيضا نجد أن الإمام المؤرخ العظيم الفاسي وهو محقق ومدقق ومحدث ومن علماء مكة وأعيانها ورجل كان يتتبع كل معلومة ويدقق فيها نجده عندما يتحدث عن ذي طوى التي هي محل دراستنا ونقاشنا يقول نصا غريبا عن بئر فقط. فيقول بئر بذي طوى دون أن يحدد أي علاقة باغتسال النبي صلى الله عليه وسلم أو لها علاقة بسيرته صلى الله عليه وسلم لا من قريب ولا من بعيد. وأعتقد هنا أن هذه البئر حملت إسم ذي طوى، ومع مرور الزمن بات عندما يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم أغتسل بذي طوى أعتقد الناس أنها هذه البئر وليس عين المكان.

سنجق بيك بنى البئر الحالي
ويرى د. الحارثي أن أول ظهور لاعتقاد الناس بعلاقة هذه البئر بإغتسال النبي صلى الله عليه وسلم جاء في مصنف الكردي وهو نقل عن الغازي والأخير نقل أيضا عن السنجاري وكل هؤلاء الثلاثة لو كان عندهم نص أقدم يؤرخ لهذه البئر قبل ذلك لذكروه أثناء حديثهم عنه، ولم نجد أحدهم تكلم في ذلك. فالغازي والكردي نقلوا نصّ السنجاري في مؤلقه بقوله " أنه سنة 1101 هـ أمر السنجق محمد بيك ببناء بئر طوى فبنى عليه طاجن وقبة صغيرة وبنى الى جانبه مسجدا.. الخ".

وقال: هل لو وجد الكردي وهو رجل باحث عظيم ألم يكن أجدر أن يأتي به. وهل لو وجد الغازي وهو جمّاع للتاريخ وأي نص يضيع عليك في أي موضوع من الموضوعات تجده في كتاب عبدالله الغازي القيّم منائح الكرم. وطبعا السنجاري كان يمكنه تأصيل نصّه لو وجد لهذا الامر أصلّ.

وعندما تتبعنا أخبار البئر الموجودة حاليا عند المؤرخين من المعاصرين نجد أن هناك اختلافا في الآراء أيضا. فرشدي ملحس يقول عنها أنها بئر بكار، لكن الحقيقة أن بئر بكار في الليط (حيّ الحفائر حاليا) وهي بئر أنشئت في العصر الإسلامي. وعبد الملك بن دهيش يرى أنها بئر أم النعمان في ذي طوى بحسب أوصاف البئر وما الى ذلك. وبئر أم النعمان ذكرها الفاكهي بأنها من الآبار الإسلامية بمعنى التي انشئت بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

د. عدنان الحارثي الشريف أثناء طرحه دراسته التاريخية التي صدمت نتائجها الحضور.
في نهاية عرضه، تساءل الشريف الدكتور عدنان الحارثي ماذا نفعل نحن أبناء مكة، وهذه البئر لنا، ونعتني ونهتم بأمرها كلنا. وأنا من الناس الذين يعنيهم أي شيء يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وإذا وجدت إمكانية أني أستطيع إثباته أثبته دون تردد. هناك مواقع ثابتة معروفة كمولد النبي ومولد فاطمة وبيت أم المؤمنين خديجة نبصّم على ثبوتها، وهناك أماكن أخرى كثيرة معروفة أيضا ولكنها إختفت. إنني في الحقيقة أقف هنا، ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك!.
(في العدد القادم وصف تفصيلي لتطورات ورشة العمل والنقاشات والردود العلمية التي تمت خلالها.. أنتظرونا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم