الأحد، 19 يناير 2014


بعد بئر لمى في حقل ..



 
بئر "العهن" أحد الآبار النبوية السبعة في المدينة المنورة.

المدينة المنورة: عمر المضواحي

لا حديث يعلو ـ هذه الأيام ـ عن مخاطر آبار ارتوازية مهملة تصطاد أفواهها الجائعة كلّ غافل يدّب حول حياضها المفتوحة. وارتفعت الأصوات مجددا مطالبة بحملات تطوعية للتنبيه عن مواقع الآبار المهملة والمنسية للعمل على ردمها أو توفير شروط السلامة لها ومنع خطرها بعد حادثة سقوط الطفلة لمى الروقي في بئر مهجورة بعمق 114 مترا في وادي لمى "الأسمر سابقا" في محافظة حقل التابعة إداريا لمنطقة تبوك.
في المدينة المنورة نشطت مؤخرا إدارة الدفاع المدني في حصر ومعالجة أوضاع اكثر من 900 بئر مهجورة، لم يكن بينها أشهر الآبار النبوية والتاريخية التي تعاني حتى اليوم إهمالا لا يليق بها ولا بدورها وحضورها في السيرة النبوية.   

في حي العالية وبالقرب من مزرعة نخيل وارفة بالظل والثمر، تقع بئر قديمة تعرف بـ "العهن" وهي على إمتداد شارع قربان المتجه لسدّ بطحان، وخلف مبنى أثري قديم تساقطت أجزاء من حجارة بناءه الجميل. فيما علا الصدأ مضخة قديمة لرفع الماء بالقرب من فوهته المطوية بالصخور البالزلتية وكلّ ما حولها أرض جافة غير محمية ولا ماء فيها ولا شجر، فضلا على أنه ليس هناك أي إشارة تعريفية للبئر تدّل الزائرين له.
فوهه بئر العهن جافة ومطمورة بالحجارة وجذوع الشجر والمخلفات.
 
وبئر "العهن" هو احد الآبار السبعة (في أرجح أقوال مصنفات السيرة النبوية) التي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يستعذب مائها وتجلب له من موقعه البعيد عن مسجده وحجراته الشريفة. وقد ذكرها المؤرخ الشهير نور الدين السمهودي رحمه الله في كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (ج 3 ــ  982) بقوله: "والذي ظهر بعد التأمل أن بئر العهن هي بئر اليسيرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليها، وكان اسمها عسرة فسماها اليسيرة وأنه توضأ منها وبصق فيها وأنها في منازل بني أمية من الأنصار".
وجاء فيه " قلت: وهذه البئر غير معروفة اليوم بهذا الاسم، والذي يظهر أنها بئر العهن؛ لما قدمناه فيها. وقد استقصينا هذا الغرض فبلغ كما ترى نحو عشرين بئراً، وما اقتضاه كلام بعضهم من انحصار المأثور من ذلك في سبع مردود، لكن الذي اشتهر من ذلك سبع، ولهذا قال في الإحياء: ولذلك تقصد الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب، وهي سبعة آبار، طلباً للشفاء، وتبركاً به صلى الله عليه وسلم، انتهى".

وفي كتاب السيد علي حافظ فصول من تاريخ المدينة المنورة ( ص 193ط2/ 1405هـ ) وصف بئر العهن في قوله رحمه الله: " وقفت على البئر وذرعتها، فبلغ قطرها 3.5 متراً وعمقها حتى الماء (16.5) متراً وقد قال المطري أنها منقورة في الجبل، ولو قال إنها منقورة في الصخر لكان أولى لأن الجبل هو ما ارتفع عن الأرض، وهي مطوية بالحجارة السوداء المطابقة وبئرها اليوم معطلة ويشرب بستانها المسمى باسمها من بئر أخرى تسمى النقيرة لحسين الغري مستأجر العهن، والماء في قاع بئر العهن رأيته يلمع بين الصخور وعمقه نحو (75) سانتيماً وكثير من آبار المدينة ماؤها هكذا، ولكنها تتحمل ضخ طلمبات الماء ليلاً ونهاراً إذا كان النبع قوياً والبئر مشهورة بغزارة مائها وعدم استعمالها يرجع لتوفير المصاريف على الفلاح غالباً. والبئر وبستانها وقف آل البرزنجي وماؤها عذب حلو ويحسن في بستانها النخيل والرمان والعنب والليمون وغير ذلك".

هذه البئر تعاني من إهمال كبير حتى اليوم، حيث تم ردمها بالحجارة المتناثرة حولها وببقايا جذوع اشجار جافة ومخلفات ونفايات متنوعة أكثرها اكياس بلاستيكية محشوة بمئات العبوات الفارغة لمواد مستلزمات تجميل!.

عبوات فارغة من كريمات التجميل لم يجد صاحبها مردما غير فوهة بئر العهن النبوي !
وحال البئر الآن توضحه الصور المرفقة، علّ أن تسارع الهيئة العليا للسياحة والآثار بالقيام بدورها تجاه ترميم وإحياء هذا البئر النبوي صونا للتاريخ وشواهد عصر النبوة. وقديما قالوا: الصورة أبلغ من الف كلمة!.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم