الخميس، 13 نوفمبر 2014

مصنع حديد يلتهم بئر "صلح الحديبية" النبوي في مكة !



بئر الحديبية النبوي داخل سور أرض خصصت لإنشاء مستودع لمصنع حديد.


فوهة وعمق بئر الحديبية عقب أن جفّ واستوطنته أسراب حمام حمى مكة.
بئر الحديبية النبوي محاطا بقضبان الحديد ومستودعات المصنع
 التي شارف إنجازها على الإنتهاء خلال أسابيع قليلة.


مكة المكرمة: عمر المضواحي


على مرمى حجر من أحد أشهر المعالم النبوية في مكة المكرمة (مسجد الحديبية)، تم تسوير بئر الحديبية ضمن مساحة أرض تعد الآن لتصبح مستودعا ضخما لإحدى مصانع الحديد في المملكة، من دون أي معلومات متوفرة عن مصير البئر النبوي في المستقبل القريب.

صباح يوم السبت الماضي (8 نوفمبر 2014م)، وقفت صحيفة مكة المكرمة على مسجد الحديبية (20 كلم غربا في طريق مكة ـ جدة القديم) بعد معلومات مؤكدة عن توجه جديد لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بهدم البناء القائم حاليا وإنشاء مسجد جديد حال انتهاء خرائط التصاميم والتراخيص اللازمة لذلك ضمن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحضاري.

يبعد البئر النبوي نحو 280 مترا فقط شرق المسجد الحالي، تفصله عنه طرق وعقوم ترابية وقطع أراضي تم تسويرها حديثا. بعضها تحتوي على بقايا بساتين جافة تم تحويطها بشكل بدائي وعبثي يخلو من أي تخطيط واضح يحترم العلاقة المتلازمة بين موقعي المسجد والبئر الذي يقال (على خلاف مشهور) أنه تمت في موقعه عقد صلح الحديبية المعروف بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة (مارس 628ميلادية).

يقول السيد الدكتور سمير بن أحمد برقة الخبير في المواقع النبوية والمعالم التاريخية إن دخول البئر النبوي في حوزة ملكية خاصة تفتح السؤال مجددا عن واقع المخاطر التي تهدد الأمكنة النبوية والتاريخية في المملكة. مستغربا أن لا يكون البئر النبوي ضمن حيازة أرض مسجد الحديبية الشرعية في وكالة الأوقاف والمساجد.

وطالب د. برقة بسرعة تدخل الجهات الرسمية المختصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحماية البئر وإعادة تخطيط موقع صلح الحديبية ليصبح داخل ملكية الصك الشرعي لأرض المسجد قبل تجديد بناءه من قبل فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في مكة المكرمة.

تعديات أم ملكيات؟!

في العام الماضي، كانت معظم الأراضي المحيطة بمسجد الحديبية تحتوى فضاء مفتوح تتخلله قطع متعددة المساحات مسورة، وبعدها بنحو كيلو متر تقريبا تنتشر أحواش ومعاطن لتربية الإبل وتوزيع ألبانها على الراغبين من المعتمرين والحجاج الذين يزورون الموقع بكثافة خاصة في موسمي الحج والعمرة.


وبعد تحذيرات وزارتي الزراعة والصحة في المملكة من ثبوت علاقة الإبل بفيروس كورونا القاتل، تم إزالة جميع الأحواش تحرزا من مخالطة الإبل وتجنبا لشرب حليبها. وخلال شهور فقط، تم في شكل متواتر ظهور حالات تسوير قطع الأراضي بالشكل الذي يمكن مشاهدته الآن على أرض الواقع.

أحدى أسبلة المياه التي أوقفها الملك المؤسس في الحديبية

في الماضي كانت أراضي منطقة الحديبية (مركز الشميسي حاليا) تشتهر بوفرة المياه الجوفية، وعلى امتداد الطريق القديم الى مكة المكرمة يمكن مشاهدة عدة آبار قديمة ومزارع قائمة حتى الآن. ويبعد مسجد الحديبية نحو ميل تقريبا من علامات حدّ حرم مكة المكرمة الغربي، وأحد الأسبلة التي أنشأها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لسقيا الحجاج والمعتمرين.

يقول د. سمير برقة: إن المغفور له الملك المؤسس قام بإنشاء عدة آبار وأسبلة في طريق الحاج القديم الى مكة، منها اثنان أحدهما في الحلّ والآخر داخل حدود الحرم على طريق جدة مكة القديم، ولا زالت شواهدها قائمة للآن، وتنتظر يدّ العناية والاهتمام العاجل بهما هي الأخرى، كونها معالم تاريخية يجب الحفاظ عليها.

أضاف: إن منطقة الحديبية ثابتة في كل مصادر التاريخ النبوي، خاصة في سلسلة وقائع العام السادس الهجري. حيث شهدت هذا العام تحديدا أحداثا إسلامية هامة أشهرها بيعة الرضوان التي نزل فيها قرآنا يتلى حتى تقوم الساعة، ثم صلح الحديبية الشهير بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين كفار قريش، بعد أن عزم ونادى في المسلمين بالمدينة المنورة أنه سيؤدى مناسك العمرة بدون حرب مع قريش، والقصة مشهورة.

وأكد د. برقة على نبوية بئر الحديبية في قوله: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل الحديبية ومعه نحو 1400 رجل وامرأة (وقيل 1700 رجلا وامرأة)، دعا بماء من البئر فجيء به إليه فتمضمض منه ومجّ ما تمضمض به في البئر ففاض ماءها ببركته صلى الله عليه وآله وسلم.

شاخص قديم وآخر جديد يوضح علامة حدّ حرم مكة على يسار الصورة

وأوضح د. برقة: إن مسجد الحديبية هو ثاني أهم علامات حدود الحرّم الأربعة لمكة المكرمة، بعد حدّ الجعرانة الذي اعتمر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وحدّ الحديبية الذي أعتمر وأحل فيه نيّة العمرة بمقتضى معاهدة الصلح الشهيرة، ومسجد السيدة عائشة في التنعيم (أقرب مواقيت الإهلال بالعمرة لأهالي  مكة)، ورابعا أي موقع يقع خارج علامات وحدود حرم مكة.
   
واشار الى أن موقع الحديبية شهد ايضا حادثة تعلى شأن المرأة في الإسلام، حين أشارت أم المؤمنين أم سلمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر إلى أصحابه ويحلّ إحرامه أمامهم، قطعا للجدل والبلبلة التي ظهرت على أصحاب النبي بعد عقده وثيقة الصلح مع مشركي قريش لعشر سنوات والتي تقضي بأن يعود واصحابه الى المدينة المنورة من دون إتمام مناسك العمرة، وهو ما كان.

معاد والحديبية

د. فايز جمال وعلى يساره م. أنس صيرفي، وم. جمال شقدار، وا. حسن عبدالشكور
عقدت مبادرة "معاد لتعزيز الهوية المكيّة" اجتماعا طارئا مساء الاثنين الماضي في مدينة جدة لبحث سبل معالجة حالة التعدي على بئر الحديبية، والتواصل مع أمارة منطقة مكة المكرمة، وأمانة العاصمة المقدسة، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وهيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وهيئة السياحة والآثار للتنسيق المشترك حيال الوقائع الجديدة في محيط حرم مسجد وبئر الحديبية.

د. فايز جمال وعلى يمينه أ. غسان نويلاتي ود. سمير برقة

وقال د. فائز بن صالح جمال رئيس مبادرة معاد لـ "مكة": إن المبادرة الخاصة بإحياء مسجد وبئر الحديبية تشمل وضع تصورا كاملا بعد أن قامت في وقت سابق بالتنسيق مع الجهات الرسمية بشأنه، ورفع تصورها لكيفية الاستفادة القصوى من أرض المسجد القائم حاليا، والمسجد القديم بجواره، والبئر، والقلعة التاريخية أعلى الجبل القريب منه، وعمل محددات وموجهات أولية تساعد مكتب استشاري مشروع التنفيذ وتلزمه بالشكل المقترح لما ينبغي أن يكون عليه البناء الجديد للمسجد وجميع مرافقه العامة، والاستفادة من إحياء بئر الحديبية النبوي كمنهل مائي في حرم المسجد وساحاته الخارجية، مع إنشاء مركز ثقافي متكامل وصالات عرض سمعية وبصرية تلحق بالمباني الجديدة لتستخدم في التوجيه والتوعية والتذكير بالأهمية التاريخية لهذا الموقع بأحدث الوسائل الممكنة، أسوة بما تم عليه العمل سابقا في مبادرة إحياء بئر طوى في مكة المكرمة.

وتوقع رئيس مبادرة "معاد لتعزيز الهويّة المكيّة" أن ينتهي وضع التصور الكامل لمخططات مسجد الحديبية الجديد خلال الأسابيع القليلة القادمة لعرضها على بعض الجهات المسؤولة التي طلبت ذلك في شكل عاجل.

وكشف د. جمال إن هناك ملاحظات واضحة على وجود تعديات أو تداخلات على ملكيات الأراضي في منطقة الحديبية، بحسب معلومات اولية لمركز معلومات مبادرة معاد، وأن الاجتماع أوصى بالتحقق والتثبت منها من خلال التواصل المباشر مع أمانة العاصمة، وشركة البلد الأمين، وهيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة للوقوف على حقيقة الأمر.


وقال إن لجنة من المبادرة تضم عددا من أساتذة التاريخ في جامعة أم القرى وخبراء في المواقع النبوية في مكة ستقف يوم السبت المقبل على موقع مسجد الحديبية والقيام بجولة ميدانية لمعاينته والمنطقة المحيطة به للتحقق من كل المعلومات وتثبيتها في شكل دقيق وواضح.



إطار 1

مشروع الري وإنشاء خزان أرضي للمياه بالقرب من سبيل الملك المؤسس في الحديبية

مبنى وبئر سبيل الملك المؤسس في الحديبية


وتهديد آخر يواجه أحد أسبلة الملك المؤسس لسقيا الحجاج في الحديبية!

بعد نحو خمسة كيلو مترات الى الغرب من موقع مسجد الحديبية، وقفت صحيفة مكة المكرمة على إحداثيات جديدة لمشروع يتبع لأمانة العاصمة المقدسة لإنشاء شبكات ريّ مع خزانات خرسانية ربما تهدد أيضا موقع بئرا أثريا وتاريخيا لسقيا الحجاج أنشأه الملك المؤسس رحمه الله في العام 1361هـ.

ويقع البئر ومبنى السبيل التاريخي بحالة مهملة للغاية لا تليق في عمق ما يبدو حديقة صحراوية تمتد بطول نحو الف متر مسورة بساتر بلاستيكي على الضفة اليمنى للمتجه الى مكة المكرمة، تحيطه عدة بلدوزرات وحفريات عميقة لإنشاء خزان ارضي ضخم المساحة تحت أرض الحديقة.

مهندسان في المشروع يطلعان على لوحة وقفية الملك المؤسس على مبنى السبيل. 
خلال الجولة قابلت صحيفة مكة مهندسان من جنسية عربية يعملان في المشروع، واستغربا التوقف واقتحام حرم المشروع لتصوير بناء البئر التاريخي. وبدا أنهما لا يعرفان شيئا يذكر عن مبنى السبيل وتاريخه، رغم وجود لوحة تعلوا بناء السبيل تشير الى وقفية البئر وتبرع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن به لسقيا الحجاج ومؤرخة في العام 1361هـ أي قبل نحو 75 عاما مضت.

لوحة المشروع وحوله عشرات من أعمدة الإضاءة للحديقة الصحراوية في الحديبية

وقامت أمانة العاصمة بوضع عشرات من أعمدة الإنارة الخاصة بالحدائق داخل المسطح الصحراوي والجاف للموقع الذي بدا العمل به في شهر جمادى الاول العام 1433هـ وينتهي بنفس التاريخ من العام الجاري 1436هـ وبقيمة تصل الى 30 مليون ريال بحسب اللوحة الإعلانية في أرض المشروع.

ولم يتسنى لصحيفة مكة  الإطلاع على خرائط المشروع في أمانة العاصمة المقدسة، وما إذا كانت اعمال المشروع تقتضي إزاله مبنى سبيل الملك عبدالعزيز وردم البئر الملحق به من عدمه.


إطار 2

المسجد الحالي وبجواره بقايا المسجد التاريخي القديم.

أطلال مسجدالحديبية الأثري الذي يعود تاريخ بنائه الى 600 عام ولازالت صامدة!.


يلاصق مبنى مسجد الحديبية القائم حاليا من الجهة الجنوبية بقايا المسجد القديم والذي يعود تاريخ إنشائه الى نحو 600 عام مضت. وتبقت من المبنى القديم شواهد متآكلة لبعض أعمدة وجدران ومحراب المسجد المبنى بالحجارة من دون سقف له بمساحة إجمالية لا تتجاوز 150 متر مربع فقط.

مراسل صيفة مكة الميداني يطل على البناء التاريخي لمسجد الحديبية

وبحسب الباحث المكي غسان بن مطهر نويلاتي تم الحفاظ على بقايا المسجد القديم كأثر تاريخي أثناء بناء المسجد الحالي قبل نحو 37 عاما تقريبا. حيث ازيل جسم المسجد القديم ومنارته السابقة وتم إبقاء الجزء الحجري الحالي لأسباب متعارضة، تتعلق بخلاف قديم ومشهور حول دقة مكان صلح الحديبية، وموقع شجرة بيعة الرضوان، والمواقع التي سلكها وأقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم خلال قدومه لأداء مناسك العمرة في السنة السادسة للهجرة النبوية، وما رافق ذلك من هدم لمسجد قديم وبناء أخر مكانه، وهدم الآخر أيضا بعد اكتمال إنشائه، حتى تم إنشاء المسجد القائم الآن وفي موقعه الحالي على يد وزارة الأوقاف سابقا، حسما لكل الجدل الذي أثير حول هذه المسألة.

الباحث المكي الأستاذ غسان نويلاتي يشير الى
 علامة خشبية لطريق ربما يهدد بئر الحديبية

وأكد الباحث نويلاتي بضرورة وأهمية العودة الى خرائط هيئة المساحة الجيولوجية  ومعلوماتها للتأكد من كل إحداثيات ومواقع هذه المنطقة التاريخية. مرجحا أن لدى الهيئة معلومات كاملة حول هذا الموضوع، يمكن الاستفادة منها طالما أن هناك اهتمام رسمي بإعادة بناء وإحياء منطقة الحديبية وتجديد مسجدها الحالي.

وأشار الباحث المكي الى أهمية المعلومات التي وردت في كتاب فضيلة عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان بعنوان "الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة" والتي أفرد في ملحق خاص رحلة ميدانية الى بعض المواقع الأثرية في شمال وغرب مكة المكرمة في شوال العام 1421ه ضمت الى جانبه كل من د. أسامة البار  بصفته آنذاك مديرا لمركز أبحاث الحج، و د. عويد المطرفي رحمه الله، و د. معراج مرزا، ود. عبدالله شاووش، وعبدالعزيز قطب، وعدنان قطب، وسمير نتو، وفيصل ملا، والمصور السينمائي طلال قاضي، والمصور الفوتوغرافي كامل أبو الخير. وتم في هذه الجولة رصدّ وتوثيق المواقع التاريخية في منطقة الحديبية، ورفع إحداثياتها بأجهزة (G.P.S) وتصويرها بالكامل بالفيديو وكاميرا مركز أبحاث الحج، وسطر معلومات هامة عنها في كتابه القيم والمشهور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم