السبت، 5 أكتوبر 2013


محاولة لاجتراح جدار السريّة واستنطاق الشائعات حوله:
لغزّ مفتاح "السديس" رقم 61 لباب الكعبة المشرفة!
ـ هل القفل والمفتاح الجديد في نسختين كأول مرة في تاريخ أبواب البيت العتيق؟!
ـ ما السرّ وراء عدم تسجيل باب الكعبة الموجود في المتحف الوطني في الرياض؟

 
د. السديس يتمعن في النسخة الأولى للمفتاح رقم 61 والى يساره د. محمد السويل (المصدر: موقع الرئاسة العام لشؤون الحرمين الشريفين)
 
د. السديس في صورته المثيرة للجدل أمام باب الكعبة وهو يحمل فيما يبدو النسخة النهائية لقفل باب الكعبة الجديد (المصدر السابق) 
 

مكة المكرمة: عمر المضواحي

في التاسع من شهر ذي القعدة الماضي وقبل ثلاثين يوما بالتمام على يوم عرفة حيث تبدأ مراسم فتح باب الكعبة لتجديد كسوتها السنوية ظهر للعلن ولأول مرة قفلا ذهبيا ومفتاحا جديدا بيد الرئيس العام لشؤون الحرمين د. عبدالرحمن السديس وهو يقف مبتسما على أعتاب باب الكعبة من دون سابق إعلان أو تمهيد!.

بين يوم وليلة بات المفتاح الذي يحمل الرقم 61 في سجلات مفاتيح أبواب الكعبة المعروفة لغزا كبيرا لا يعلم إلا الله، والراسخون في العلم مواصفاته مع قفله الجديد. هذا الحال أستوجب بذل محاولة متواضعة للقفز على أستار السريّة الحديدية للدخول الى عالمه واستنطاق ما نبت من شائعات كمصدر وحيد ومتاح لتركيب صورة ـ تشبه لعبة بازل ـ للخروج بشيء يمكن تخيله ولو عن جانب من هذا اللغز الكبير.
اليوم، يحمل كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي المفتاح رقم 60 لباب الكعبة المشرفة. والمفتاح ذي بدن اسطواني الشكل من حديد الإستيل الصقيل بطول 35 سنتيمتر متوجا بمقبض دائري ملبس بالذهب الخالص.

والمعروف أن هناك ثمانية وخمسون مفتاحا فقط هي كلّ ما يعرف العالم اليوم من مفاتيح باب الكعبة المعظمة. منها 53 مفتاحا في متحف طوب قابي في اسطنبول، واثنان في مجموعة نهاد السعيد الخاصة في الرياض، ومثلهما في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والأخير في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

واللافت أن آخر باب صنع في عهد الدولة العثمانية بأمر السلطان عبد الحميد خان في سنة 1309هـ الموافق لعام 1891م. تم استبداله بقفله ومفتاحه (الذي يحمل الرقم 59) في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز في العام 1398هـ . وهو غير مسجل ضمن السجلات العالمية، ولا يشار الى ذكره ابدا، رغم أنه كان موجودا ومعروضا بالكامل في متحف عمارة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، قبل نقله الى المتحف الوطني في العاصمة الرياض. وتلك قصة أخرى!.

الصور المتوفرة للمفتاح رقم 61 بثها لأول مرة الموقع الإليكتروني للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في 14 /9/ 2013 المنصرم رفقة تقرير إخباري مطول. لكن التقرير وللأسف لا يقدم أي تفاصيل تذكر عن مواصفات القفل وخصائص المفتاح الجديد. وكان واضحا أن مسئولي الرئاسة قرروا الاكتفاء مبدئيا بالقاعدة الصحافية الشهيرة؛ الصورة تغني عن ألف كلمة!.. وقد كان!

هناك سرّ وغموض آخر يحوم حول القفل والمفتاح الجديد. ولا يحتاج من ينظر إلى القفل الذي كان بين يدي د. السديس وهو واقفا على أعتاب باب الكعبة، كبير جهد ليعرف بأنه نسخة أخرى ـ  قطعا ـ وتختلف في شكل جوهري عن النسخة التي تظهرها صورة أخرى وأخيرة لقفل ومفتاح وغطاء كالتاج في مكتب د. عبدالرحمن السديس أثناء لقاءه د. محمد السويل الرئيس العام لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بحضور نائب رئيس شؤون الحرمين الشريفين د. محمد الخزيم.

فهل نحن أمام نسختين لقفل المفتاح رقم 61 ؟!. لو صح ذلك، وهو ما يتضح بمقارنة الصورتين، فإننا أمام أول حالة لا سابق لها في تاريخ مفاتيح الكعبة المشرفة الذي يصنع لقفلها مفتاحا واحدا فقط يتم تسليمه الى كبير سدنة بيت الله الحرام ليحافظ عليه في حرز مكين الى حين الحاجة الى تغيير القفل والمفتاح معا.

الصورة الأولى للمفتاح رقم 61 تظهر د. محمد السويل الرئيس العام لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مكتب الرئيس العام لشؤون الحرمين، والى يمينه يجلس د. عبدالرحمن السديس وهو يقلب المفتاح بين يديه، ويدقق في صنعه ونقشه وقياس طوله في تركيز واضح.

تظهر الصورة أن طول المفتاح بدا في حدود 35 سم تقريبا مقسما على ثلاثة أقسام: رأس مكوّر عليه نقوش، ورقبة تبدو أنها إسطوانية أو على شكل منشوري متعدد الأضلاع والزوايا مكفتة بنقوش وزخارف دقيقة. أما بقية بدن المفتاح فتبدو كأساور متعددة أو فصوص مضلعة تنتهي في طرفه كرة بيضاوية تسند ثلاثة فصوص لفتح القفل.

وأمام د. السديس ود. السويل وعلى طاولة خشبية يظهر بوضوح جسم القفل الجديد وهو سداسي القطاع ومجوف في شكل اسطواني ينتهي بشبك متعدد الفتحات تناسب فصوص المفتاح. ويبدو أن طول بدن القفل أقل من 45 سم قياسا بحجم الطاولة الصغيرة. وتعلو مقدمة القفل طربوش على هيئة كأس محلى بزخارف ونقوش نباتية وعلى مقربة منه بدا غطاء القفل الذي صنع بدقة واضحة وكأنه تاج ملكي بكامل صفته ومواصفاته.

وتظهر الصورة، أيضا، أن القفل والمفتاح مصنوعان بطريقة جديدة وتصميم يختلف عن سائر أقفال ومفاتيح الكعبة السابقة والمعروفة. وأنهما صنعا بالكامل من الذهب الخالص مع نقوش هائلة ومتنوعة الزخرفة والكتابة محفورة ونافرة. وجوف القفل السداسي لا يظهر أي شيء لطريقة عمل المفتاح سوى شبك متعدد الفتحات. ويغلب على الظن أنها طريقة مبتكرة للقفل بالنظر الى نهاية فصوص المفتاح التي لا شبيه لها قطعا في نظرائه سابقا.

أما الصورة الثانية والأخيرة فهي تظهر د. السديس وهو يقارن قياسات القفل الكامل بيديه على باب الكعبة مباشرة، فهو يختلف تماما، شكلا وحجما وحتى وزنا، وكأنه نسخة أخرى معدّلة ونهائية خصوصا في القسم الأعلى لجسم القفل السداسي الذي يبدو مشابها الى حد ما بالنسخة الأخرى، ما عدا خلو الصورة من إظهار الغطاء الذي يشبه التاج الملكي.

 فالكأس المنقوش في أعلى طرفه (في الصورة الأولى) تحول الى شكل مقبض صقيل اسطواني الشكل بارتفاع 8 سم، وبدنه منحوت على شكل أضلاع خفيفة تستند على قاعدة مربعة الشكل بارتفاع 2 سم. وهي مثبتة ببدن القفل ويتصل من المقبض وإليه جسرا رباعي الأوجه يمتد لينتهي طرفة بشكل كروي مثبتة الى داخل مقبض آخر مشابه له في الصفة في الطرف المقابل للقفل!.

هذا ما يمكن الإشارة إليه حتى الآن. فالمفتاح رقم 61 ضرب عليه ستارا من السريّة لا ترشح عنه أي معلومة صغيرة أو كبيرة. فلا يعلم أحد حتى الآن طريقة عمله. وما إذا كان تقنيا أم بالطرق القديمة المعروفة. ولا من أشرف على تصميمه. ولا من نفذ صناعته بهذه الدقة الواضحة. وأين صنع هل في الداخل أم في الخارج. ولا يُعرف حتى نوع النقوش والزخارف والآيات والكتابات الظاهرة على جسم القفل السداسي الشكل.

كل ما تم الإفصاح عنه ـ حتى اليوم ـ سلسلة تقارير إخبارية عن لقاءات وزيارات  واجتماعات متبادلة، في شكل لافت، جمعت بين كبار مسئولي رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية في كل من مكة والرياض خلال السنوات الثلاث الماضية. قبل أن يتم الإعلان عن سلة مشاريع للتعاون المشترك في تنفيذ عدد 16 مشروع بحثا علميا متعلقة بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وكالعادة لم ترشح أي معلومة عن طبيعة ومجال هذه الأبحاث العلمية أيضا، باستثناء ما يتعلق بتطوير أجهزة الصوتيات، وأنظمة الإضاءة في الحرمين الشريفين.

هذا التكتم والتعتيم من قبل رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية خلق مناخا وبيئة خصبة للشائعات والأقاويل الخرافية، وكثرة الأسئلة المتعطشة لبرد الأجوبة المنطقية. لعل أخطرها وأكثرها إثارة للقلق ما تروجه الشائعات من أن رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية اتفقا على التعاون في بحث مشترك يتعلق بمقام إبراهيم عليه السلام!

هذه الشائعات تؤكد، إحياء الملف القديم الخاص بوضع حلّ عملي لإزاحة مقام إبراهيم من مكانه الحالي، لتسهيل إدارة وحركة حشود الطائفين حول الكعبة. وأن رئاسة الحرمين مدعومة بكل ثقل هيئة كبار العلماء أكبر مؤسسة دينية في السعودية قررت الدخول في دراسة جادة بالتعاون مع مدينة العلوم والتقنية لوضع مقام إبراهيم بالكامل داخل أنبوب اسطواني (كالمصعد الكهربائي) بآلية وتقنية خاصة تسمح بإنزاله الى بطن صحن المطاف عند الزحام الشديد على أن يرفع آليا ليعود الى وضعه الطبيعي وفي المكان نفسه في غير أوقات الذروة!.

لكن ما يهم استعراضه هنا هو سلسلة من الشائعات المتعلقة بالقفل والمفتاح رقم 61 والتي باتت بفعل عدم الشفافية الى مصدر وحيد ومتاح لتلقف أخبارهما. لا من أجل تأكيدها كحقائق لا تقبل الشك، بل للالتزام بنقلها أمام القراء المهتمين أملا برفع أستار السريّة على جزء يهم كل مسلم ومسلمة لتعلقه بقبلته الوحيدة الكعبة المشرفة.

الشائعات لا تحيط بدور د. السديس ورئاسة الحرمين فحسب، بل شملت أيضا مدينة العلوم والتقنية في محاولات ملحة لكسر طوق السريّة  المفروض على القفل والمفتاح خاصة أن بيدها الخيط والمخيط كونها هي التي تتولى تصميم وتنفيذ قفل المفتاح رقم 61 عن طريق فريق علمي كلف بهذه المهمة السرية!.

فهل صحيح أن مدينة العلوم والتقنية لجأت الى شركة مايكروسوفت العالمية للاستعانة بخبراتها التقنية في صنع طريقة مبتكرة لعمل القفل والمفتاح؟. وهل صحيح أن التصميم اشتمل على لوحة مزودة بأرقام سرية كخزائن المال والمجوهرات؟. وهل يمكن تصديق تزويد القفل بخاصية استشعار البصمة بطلب خاص من د. السديس ـ كما تقول الشائعة ـ كي توضع عليها بصمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟. أم أن القفل والمفتاح يعملان من خلال جهاز تحكم عن بعد تسهيلا لفتحه وإغلاقه؟.

كل ما سبق شائعات لا يمكن تصديقها كونها تخالف العقل والمنطق ووظيفة المفتاح نفسه، فضلا عن رمزيته وخصوصية من يحمله ويحفظ عنده بأمر من الله تعالى وبأحاديث صحيحة تربطه حصرا على كبير سدنة بيت الله الحرام.

وجرت العادة أن يوضع اسم الخليفة أو السلطان أو الملك الذي يتولى حكم المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة على بدن القفل أو المفتاح أو عليهما معا مع تاريخ سنة صنعهما لتبقى شاهدة طوال التاريخ على نيله هذا الشرف الرفيع.

فما هو سرّ المفتاح رقم واحد وستين؟. وهل سيكشف النقاب عن معلومات أكثر من مجرد صورتين، بعد نحو 4 سنوات من الدراسات والأبحاث والتصاميم والتنفيذ ليتم تركيبه في منتصف شهر المحرم القادم 1435هـ خلال مراسم غسيل الكعبة المشرفة بعد انقضاء موسم الحج الحالي؟.

الله وحده، والراسخون في العلم فقط ـ في رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية ـ هم من يملكون حصرا الإجابة الشافية عن لغز المفتاح رقم 61 لباب الكعبة المشرفة!.

غدا.. جزء آخر يتعلق بتاريخ أبواب الكعبة ومفاتيحها ولماذا لا يحتفظ السّدنة بنسخ منه؟!

هناك تعليقان (2):

  1. تبت يدا الصحافة .. التي سمحت للمضواحي أن يتركها .. أصبحت الصحافة سخافة !

    ردحذف
  2. بل شكرا لها مولانا الشريف شاكر أن جعلت مثلك يضع رحاله في هذه المدونة المتواضعة. ممتن لك علم الله.

    ردحذف

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم