الأحد، 29 سبتمبر 2013

خلاف بين إمام الحرم الشريف وسادن البيت العتيق



كبير سدنة بيت الله الحرام يفتح قلبه لـ العرب:

إذا كان السديس يريد سدانة الكعبة فليتقدم!


كشف كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر الشيبي في حواره مع "العرب" قصة تذويب صلاحيات وظائف السدانة وحقوقهم الشرعية.. وقال: هي لنا خالدة تالدة لا ينزعها إلا ظالم!




جدة: "العرب اللندنية"

كان وجه الرجل يعكس ملامح حنق وغضب كامنين. وظل يحاول رسم بسمة ترحيب بضيوف يراهم أول مرّة. جاء إلى صالون بيته يتهادى على ساعد إبنه البار عبدالله. كانت قدماه تضطرب في خطواتها، وبدا أنها بالكاد تحمل سنواته السبعين. وقفنا لمصافحته وهو يمدّ يمينه التي غسلت جدران الكعبة المشرفة مرارا وتكرارا. فاح العود والورد وعطور أريج الكعبة المشرفة.

اتخذ كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر الشيبي مجلسه في أقرب كرسي من باب الدخول. كان صدره يغلي كمرجل وهو يردد: لم يبق لنا غير المفتاح.. لم يبق لنا غير المفتاح!

ظل صامتا لبرهة قصيرة وهو يحاول إطفاء غضبه مرارا برشفات من كأس عصير بارد. وكنا نراقبه وهو يفتح ستائر قلبه وروحه ليستحضر سكينة الهدوء وهي تخيم على حواسه الخمسة.عرفنا معا ونحن نتمعن في ملامحه العربية ماذا تعني عبارة قهر الرجال!

فجأة.. التفت مبادرا بالسؤال: هل عرفت ما صنع السديس! أجبته لهذا أتيت، فما صنع د. السديس؟!

لمعت ابتسامة في وجه السادن قبل أن يشير بسبابته للسماء: تصدق بالله، لم يحدث قطّ أن وقف غير أسلافي السّدنة موقفه على أعتاب باب الكعبة. ولا أعرف ما هو قفل باب الكعبة الجديد، ولا طريقة عمل مفتاحه. ظللت أفكر طويلا بالأمر، مدينة العلوم والتقنية ورئاسة الحرمين؟ ثم تساءلت هل هو بتقنية البصمة أم بأرقام سريّة مثلا؟! ربما سيكون مفتاح "السديس" مزودا بتقنية تحكم خاصة "ريموت كنترول" ليفتح باب الكعبة عن بعد؟! ضحكنا جميعا.. وأيقنت أنه حان وقت الأسئلة وبدء الحوار:

غضبة مضريّة

بدأت الحوار مع سادن الكعبة بالسؤال عن السبب من غضبته المضريّة على الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ فأجابني قائلا: تكرر استفزاز الرجل لنا بلا سبب نعرفه. ومسّ خصوصية وظائف سادن البيت الحرام مرّة تلو أخرى. أحسنّا الظن مرات ومرات، واستغربنا جرأته وتماديه مرات أخرى. لكن أن يصل الأمر إلى وقوفه على أعتاب الكعبة، فهذا كثير ولا ينبغى علينا السكوت عنه. لقد وصل إلى صميم يقيننا نحن السّدنة من آل شيبة، أن السديس يعمل على إخلاء وظيفة سدانة الكعبة المشرفة من جميع واجباتها، وجعلها تختصر على حمل مفتاحها لا أكثر!

• لعل له عذرا وأنت تلوم؟

- أي عذر تتحدث عنه. هل السديس لا يعرف مهام ووظائف رئاسة الحرمين وهو رئيسها العام؟ ألم يقرأ أول بند في قرار إنشاء الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؟ ألم يفهم بوضوح أن البند الأول ينصّ صراحة باستثناء وظائف سدانة الكعبة وإخراجها من كل موضوعات مهام الرئاسة وصلاحياتها وأعمالها؟

أيضا، ألم يقرأ وهو رجل دين وعلم ومنصب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وقف بين عضادتي باب الكعبة، حيث وقف السديس، فقال النبي: "ألا كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قَدَمَيَّ هاتين إلا سقاية الحاجّ وسدانة الكعبة؛ فإني قد أمضيتهما لأهلها على ما كانت عليه؟".

ما قام به السديس تجاوز ليس لأمور شرعيّة فحسب؛ بل ولأخرى تنظيمية وإدارية تحمل إمضاء ولي العهد السابق الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله بصفته الرئيس العام للتنظيم الإداري للحكومة السعودية.

ونفى الشيخ عبدالقادر الشيبي إن كان هناك خلاف سابق بينه وبين السديس.

مباركة ولي الأمر

سألته: هل يعني ذلك أنه لم يتم ترسيمك بشكل رسمي ككبير لسدنة بيت الله الحرام حتى الآن عند استلام الكسوة؟ فأجاب موضحا أن الدولة لم تتدخل يوما في هذا الأمر. نحن نتوارث السدانة في الجاهلية والإسلام وحتى اليوم. الآن أنا الأكبر سنا في عائلة آل الشيبي. ونحن نتّبع العرف الذي أمضاه النبي صلى الله عليه وسلم بتسليمها كابرا عن كابر من آل ابن أبي طلحة. لم نتعود أن يتم ترسيم السادن من قبل الدولة. لأن هذه ولاية نتولاها كابرا عن كابر. لكن جرت العادة أن يرفع لولي الأمر أن السدانة انتقلت بعد وفاة أي سادن إلى الذي يليه، ويباركها ولي الأمر بتعميد الجهات المختصة.

وكلاء السادن في الرئاسة

• رغم الجدل الذي أثاره خبر مفتاح الكعبة الجديد، لم يبادر الشيخ عبد القادر الشيبي للاتصال بالسديس لفهم أسبابه ولملمة تطورات قضية القفل؛ وأوضح في هذا السياق: لم ولن أتصل بالسديس. ولماذا أتصل به. إذا كان لديه تعميد من الملك بصنع قفل جديد لباب الكعبة فهل يعقل أن أتصل به أنا لأسأله عن تعميد لم أعرف بصدوره. أم من الواجب عليه هو أن يتصل بنا ليبلغنا بصدور التعميد السامي لو حدث ذلك؟ علما أنه لديّ كسادن أربعة وكلاء رسميين مسجلين في رئاسة الحرمين ومع ذلك لم يبلغ أي أحد منهم بخصوص القفل الجديد، وقد استفسرت منهم فردا فردا بشكل مباشر. هل يعقل أن السديس أو أي مسؤول في الرئاسة لم يجدوا دقيقة واحدة فقط لإشعارنا وإطلاعنا على أمر القفل والمفتاح الجديد.

خلل المفتاح

نفى سادن الكعبة ما يشاع من أن مفتاح الكعبة الحالي فيه خلل أو عيوب تصعّب عملية فتح بابها إلا بمشقة على يد السادن، مشيرا إلى أن مفتاح الكعبة بحوزته ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن واجه مشكلة عند فتح باب الكعبة. لو كان في المفتاح عيب أو خلل، لبادرت شخصيا بطلب تجديده من المقام السامي كما جرت العادة في كل احتياجات خدمة الكعبة المشرفة ظاهرا وباطنا. وأشار سادن الكعبة إلى أن هذه أول مرة تحدث هذه الأشياء فيما يتعلق بمفتاح الكعبة.

إحرام الكعبة

في حج العام الماضي امتنعت رئاسة الحرمين عن إمضاء عادة إحرام الكعبة، قبل أن تعود هذا العام إلى ما كانت عليه سابقا؛ وفي هذه النقطة يشير سادن الكعبة: سمعت ولست متأكدا، أن السديس أيضا هو من رفض إحرام ثوب الكعبة جريا على هذه العادة التقليدية في كل مواسم الحج منذ القدم لمنع الحجاج من قص أجزاء منها. وقيل إنه رأى بعدم صحة هذه العادة. في السابق كانت تتم عملية تغيير الكسوة القديمة بالجديدة تحت إشراف كامل من السدنة، بالتعاون مع إدارة الحرم المكي قبل أن تتطور الى رئاسة شؤون الحرمين. طبعا تغير الحال وسحبت الرئاسة هذه الصلاحية أيضا. فهي الآن التي تقوم بتركيب الكسوة والإشراف على عملية تغييرها في شكل كامل، بينما يتولى السادن يومها فتح باب الكعبة فقط بهذه المناسبة.

وأود هنا أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن علاقتنا كسدنة لبيت الله الحرام مع رئاسة شؤون الحرمين وتعاملنا معها محصور في أمرين إثنين فقط. الأول استلام شيك منها بقيمة تعويض لكسوة الكعبة المشرفة بمبلغ مليون ريال سنويا فقط. قبل أن أتولى توزيعها على أكثر من 400 فرد من أسرة آل الشيبي بواقع 2500 ريال فقط لكل شخص أي 208 ريالات شهريا.

ومن المعروف تاريخيا أن كسوة الكعبة كانت بالكامل للسادن، وكان السدنة يقومون ببيعها والاستفادة من ثمنها، الآن نحن لا نبيع قطع كسوة الكعبة، ولكنها متوفرة في الأسواق لمن يريدها.

والعلاقة الثانية مع الرئاسة هي باستلام قيمة شراء مستلزمات مراسم غسيل الكعبة (مرتان في كل عام) وفق فواتير مفصلة للمشتريات ثم نقدمها لرئاسة الحرمين لدفع قيمتها وهي عادة لا تتجاوز مبلغ 75 ألف ريال فقط. هذا كل ما يتعلق بعلاقتنا مع رئاسة شؤون الحرمين. أما من جانبها فحدث ولا حرج عن التدخلات ونزع الصلاحيات ومنع الحقوق الخاصة بوظائف كبير السدنة أو العامة لأسرة السدنة من آل الشيبي وهي أكثر من أن تحصر. وقد رفعنا لأولياء الأمر في قيادتنا الرشيدة تفصيلا بكل شيء، ونأمل النظر فيها والتوجيه بما يراه المقام السامي.

قفل الملك عبد الله

• سألت الشيخ عبد القادر الشيبي: كم قفلا لباب الكعبة المشرفة. هل صحيح أن له قفلين أحدهما داخلي والآخر خارجي. وماذا عن القفل الجديد الذي أمر به الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتم تركيبه بيد الأمير خالد الفيصل في منتصف شهر محرم الماضي وتسليمكم مفتاحها الآخر كما نشر في الصحف. فردّ موضّحا: لا، هذا موضوع آخر يحتاج الى توضيح. وصاحبه لغط غير صحيح. القفل الداخلي الجديد الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله هو لباب التوبة الصغير المؤدي إلى السطح من داخل جوف الكعبة. قديما كان محله ستارة خاصة به فقط، ثم في ترميم الملك فهد الشامل لبناء الكعبة صُنع باب خاص بديل عن الستارة، ولم يكن للباب الجديد (مساحته بمقاس واحد على ثمانية من باب الكعبة الرئيس) قفل خاص به.

ولما دعت الخشية أن يقفل باب الكعبة الرئيسي مع نسيان وجود شخص في السلم المؤدي إلى سطحها، قام عمي السادن عبدالعزيز الشيبي بوضع قفل عادي عليه احترازا من نسيان أحد داخل جوف الكعبة. وعندما علم الملك بذلك أمر حينها بعمل قفل جديد صنع من الذهب على نفقته الخاصة لباب التوبة الداخلي. وبالفعل تم تركيبه في منتصف شهر محرم الماضي وتم تسليمي مفتاحه بعد تركيبه بحضور أمير مكة. أما باب الكعبة الرئيس فليس له سوى قفل خارجي، ومفتاح واحد فقط.

فحوى البرقيات

وعلى خلفية الخلاف حول مفتاح الكعبة رفع سادن بيت الله الحرام، الشيخ عبد القادر الشيبي، برقيات للملك عبدالله وولي عهده وأمير مكة، وأوضح في هذا السياق: رفعنا توضيحا لما حدث حسب وجهة نظرنا، فمن المعروف بشكل لا لبس فيه أن الحرم المكي يتبع الكعبة المشرفة لا العكس. وأننا قرأنا في مواقف وتصرفات السديس تعديا على حقنا غير المنازع عليه. وبأننا لا نعلم عن هذا الأمر شيئا. كما اقترحنا فيها تشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء لأخذ رأيهم في الوظيفة الدينية التي يحملها سدنة الكعبة من آل الشيبي وحصرها فيهم. وبيان أنها وظيفة مستقلة ومنفصلة عن دور ووظائف وصلاحيات رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، حتى لا تختلط الأمور والوظائف بينهما.

• وأضاف سادن الكعبة: الإنسان يدافع حسب طاقته وقدرته والظروف التي تحيط به. في الماضي القريب كانت إدارة الحرم المكي سابقا والتي تمثلها الآن رئاسة الحرمين، إدارة بسيطة في مبنى صغير. وكان أغلب الموظفين من بيت الشيبي. وكان لا يزيد عدد موظفي إدارة الحرم التي كان يرأسها السيد عبدالقادر نائب الحرم، وقبله والده عن 10 أو 12 موظفا فقط من العائلات المعروفة في مكة. وكانت جميع مسؤوليات إدارة الحرم ينفذها شباب مكة، حتى عمال النظافة منهم وفيهم. الآن لو رأيت مبنى رئاسة الحرمين في مكة تصاب بالفزع من حجم أدواره ومساحة مكاتبه ومواقف سيارته وعدد موظفيه من خارج مكة. وبالرغم من كل ذلك، لا يوجد اليوم حتى موظف واحد فقط من آل الشيبي في رئاسة الحرمين. وكلما يتقدم أبناؤنا لها يتم إبعادهم بطريقة من الطرق تحول دون تعيينهم. ولا نعرف والله سببا لكل هذه المكارهة.

لقاء السديس والسادن

• بعد أيام، وفي غرة شهر ذي الحجة سيقام الحفل الرسمي لتسليمك الكسوة السنوية للكعبة المشرفة بصفتك كبير سدنة بيت الله الحرام من يد عبدالرحمن السديس، سألت الشيخ عبد القادر الشيبي عما سيقوله له عندما يلتقيان وجها لوجه، فأجاب: "إذا التقيته خلال حفل تسليم ثوب الكعبة، سوف أحدثه بما في نفسي وأستطلع منه حقيقة الأمر. يهمني معرفة مقاصده في تصرفه الأخير بالوقوف أمام باب الكعبة. وسوف أسأله عن سبب تهميشه المتواصل لوظائف سدانة البيت العتيق. وما إذا كان عنده رغبة خاصة بضمها إليه من دون لفّ أو دوران!





هناك 3 تعليقات:

  1. حوار رائع، بحجم القهر الذي يشعر السيد الشيبي.. ولا أعتقد أن حكام السعودية وبالأخص الملك عبدالله أنهم حكام ظالمون، أعتقد المشكلة في رئاسة الحرمين وبالإمكان أن ينتهي الأمر ببساطة إذا علم الملك بالأمر

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا، وأرجو ذلك. الموضوع معقد.

      حذف
    2. شكرا، وأرجو ذلك. الموضوع معقد.

      حذف

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم