الخميس، 26 يونيو 2014

خبير جغرافي يطالب بتعديل حدود مشعر مزدلفة إلى وضعها الشرعي الصحيح


مكة المكرمة: عمر المضواحي
في هذا الحوار يقدم الأستاذ في قسم الجغرافيا في جامعة أم القرى، والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد  الدكتور معراج مرزا وجهة نظر جغرافية تناقش المكان الصحيح لوادي مُحَسِّر ومدى صحة الحدود الشرعية لمشعري مزدلفة ومنى في وضعهما الحالي، وسلامة أداء مناسك الحج لنحو ثلث الحجاج في كل عام على الوجه الشرعي الصحيح.
وكرر الخبير بجغرافية مكة والمشاعر المقدسة تأكيده مرارا خلال الحوار إن وجهة نظره ليست نصا مقدسا بقدر ما هي طرح جاد خصص له الكثير من الوقت والبحث للتأكد من صحة موقفه. وأن كل ما يؤمله هو مناقشة علمية وشرعية من لجنة معتبرة للوصول إلى الحقيقة المنشودة.

مشيرا إلى أن دافعه من هذا الطرح هو إبراء الذمة، وتقديم حلول عملية لأهم وأكبر المشاكل التي تواجه موسم الحج في كل عام ليس أقلها توفير مساحة تقدر بنحو 36 % من مساحة مشعر منى الحالي توفر طاقة استيعابية مضافة تقدر بنحو مليون حاج إضافي، علاوة على وضع حلّ جذري ومنطقي لمشكلة الافتراش السنوية في موسم الحج، بعد أن يعاد حدي المشعر الحرام في مزدلفة ومشعر منى المقدس إلى أمكنتها الصحيحة والشرعية حسب طرحه.

إلى نصّ الحوار... :
 

20 متر فقط!

·         ما هي وجهة نظركم حيال حدود مشعر مزدلفة الحالية؟

إن جميع المصادر العلمية تكاد تجمع أن وادي مُحَسِّر يحد مشعري المزدلفة ومنى من الغرب والشرق على التوالي. ومن خلال معايشتي لمناسك الحج ودراسة مشاعره والربط بين الحدود الحالية للمشاعر المقدسة ومنها المزدلفة ومنى، وما ورد في وصفها في الحديث الشريف وكتب الفقه والمناسك والتاريخ المكين ومقارنتها بالخرائط القديمة والحديثة والصور الجوية وصور الأقمار الصناعية والصور الفوتوغرافية لمست أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في الحدود الحالية لمشعر المزدلفة من الغرب ومشعر منى من الشرق وذلك فيما يتعلق بعلاقتهما بوادي مُحَسِّر.
النقطة الإرتكازية في هذا الموضوع هي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يرسل الصحابة في سرايا أو بعوث كان ينهاهم أن يبيت الجيش في بطون الأودية خوفا من السيول المنقولة. ونفس الحالة في الحج فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عن الوقوف في بطن وادي عرنة في عرفات. وأيضا في وادي مرّ عندما قدم النبي مع جيشه في فتح مكة. ونفس الشيء حدث في وادي محسر بقوله في الحديث الصحيح (وارفعوا عن بطن محسر) كما ورد في منسك الإمام أحمد. وعن عبدالله ابن الزبير قال: عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، ولتعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر) من ذلك يتضح على الإطلاق أنه لا يجوز الوقوف في بطن وادي محسر.

المجرى الحقيقي والطبيعي لوادي محسر باللون الأزرق.


·         وما هي رؤيتك إذا عن الحدود الحالية لمشعري مزدلفة ومنى؟
الموقع المتعارف عليه حاليا لا يعدو كونه شعبا من شعاب مشعر منى، لا يتجاوز طوله عن 2 كلم وعرضه يتراوح بين 10 ـ 20 مترا فقط. وهو الذي وضعت عليه علامات نهاية مزدلفة وبداية منى دلالة على أنه وادي مُحَسِّر. وهذه المسافة ضيقة وصغيرة جدا.
أما موقع الوادي الذي أراه كباحث جغرافي متخصص في جغرافية مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وبعد قراءة متأنية وطويلة للكثير من المراجع والمصادر وربطها بما ذكر آنفا من خرائط وصور أقمار صناعية واستخدام برامج نظم المعلومات الجغرافية وغيرها فقد توصلت إلى أن موقع واد مُحَسِّر ليس المتعارف عليه حاليا، بل يمتد بموازاة يمين جسر الملك فيصل في منى للقادم من جهة المعيصم، ويبعد نحو الشرق بمسافة تقدر بين 50 ـ 100 متر تقريبا. بينما يتراوح عرض الوادي بين 150 ـ 200 مترا بحسب واقع المسار الطبيعي للوادي على الأرض.

وللعلم والتوضيح، جميع الخرائط التي اعتمدتها مأخوذة من مصادر حكومية الرسمية كهيئة المساحة الجيولوجية التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية وأمانة العاصمة المقدسة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجميعها توضع حقيقة الوضع الجغرافي للمشاعر المقدسة. الخرائط هي التي تتحدث وليس أنا.


خطأ تاريخي

·         هنا يقودنا السؤال إلى البحث عن السبب الرئيس الذي جعل العلماء يعتمدون حدود مزدلفة في وضعها الحالي. هل هناك قول تم ترجيحه والأخذ به أمام كل النصوص التي قمتم بسردها؟
لا، وحسب معلوماتي بعد بحث وتقصي دقيق لم يقل أحد بذلك قط. وما وقع من خطأ في تحديد بداية ونهاية حدود مشعري مزدلفة ومنى أرجعه إلى أن مشايخنا وعلماؤنا الآن وجدوا أن هذه الحدود كانت موجودة منذ مئات السنين، وتم اعتمادها كما هي.


·         هل لكم أن توجزوا لنا سبب هذا الخطأ المتعلق بحدود مشعر مزدلفة من باب التوضيح؟
هذا موضوع كبير ومعقد، ويحتاج إلى مشروع آخر مع شرح مفصل وخريطة تحدد مواقع حدود المشاعر المقدسة في بداية الدولة الإسلامية في العهد الأموي. ولكني سأختصر جوابي هنا من باب فتح النقاش والبحث في أسبابه الحقيقية من خلال لجنة علمية معتبرة للوصول إلى الحقيقة والوضع الصحيح لهذه الحدود.

وما توصلت إليه، أن خطأ تحديد حدود مشعر مزدلفة وقع في بدية العهد الأموي ربما بسبب الأمطار والسيول التي غيرت بعض العلامات التي كانت توضح آنذاك حدودها. فقد قامت الدولة الأموية بوضع علامات (أميال) تحدد المسافات ما بين المسجد الحرام إلى جبل الرحمة في عرفات. وعملت الأميال المروانيّة نسبة إلى خامس خلفاء بني أمية عبد الملك بن مروان (حكم ما بين عام 56هـ ـ 86هـ) وكانت 12علامة على الطريق بينهما. وكان يفصل بين كل ميل وآخر (مسافة 2 كلم تقريبا) فقد كان الميل الرابع مثلا عند جمرة العقبة في منى، والخامس كان خلف قرن الثعالب، والسادس كان في بطن وادي محسر ويبدو أنه ضاع أو طاح أو اندثر بفعل السيول وبقي الميل الذي يقع وراء قرن الثعالب.
وعندما جاء المؤرخ أبو الوليد الأزرقي (توفي عام 250هـ) وهو أقدم ما وصلنا إلينا من كتب عن تاريخ مكة المكرمة قام ـ كما أقدر ـ بنقل حدود المشاعر المقدسة استنادا إلى تقرير حكومي في ذلك الزمان وضعته اللجنة التي رفعت القياسات ووضعت شواهد الأميال والعلامات، وليس كما جرت عادة الأزرقي والمؤرخين من بعده بالنقل عن شهود ورصد شهادتهم في كتبهم.

فوجد الأزرقي أن هنا علامة (جمرة العقبة) وهناك علامة (قرن الثعالب) والذي يأتي عندها وادي محسر الحالي. فقال خطأ إن هذه حدود مشعر منى. وقام بذرع المسافة بينهما واعتمادها في تاريخه وقال: " وحدّ منى 7 آلاف ذراعا" بين العلامتين (الميلين) ووقع اللبس في ظني بسبب ذلك، واستمرت هذه المعلومة الخاطئة من ذلك الزمان وحتى اليوم.

لكن علينا هنا أن ننظر إلى موقف الفقهاء الذين أكدوا في كل مصنفاتهم وكتب المناسك أن (جبل) قزح هو آخر مزدلفة، وساقوا الأدلة التي تصف بشكل دقيق مكان وادي محسر وحدود مشعر مزدلفة. ولم يعتمدوا على أقوال الأزرقي والمؤرخين من بعده، كما فعل الآن مشايخنا في هذا العصر الذين استمروا بإقرار من سبقهم بالأخذ بقول الأزرقي والفاكهي وغيرهم.




·         هذا يعني أن الوضع الحالي لحدود مشعر مزدلفة غير صحيح، وأن مزدلفة متمددة داخل حدود مشعر منى؟
نعم، ولابد من الإشارة إلى أنه ليس المقصود من هذا الطرح هو زيادة مساحة منى على حساب مساحة المزدلفة, وإنما هي قضية علمية وأمانة يجب أن تذكر ومن ثم تخضع للمناقشة من قبل أهل العلم والتخصص. وإذا ما جرى اعتماد مجرى وادي مُحَسِّر الحقيقي الثابت في النصوص والمطابق للواقع الجغرافي على الطبيعة الذي اطرحه فإن ذلك يساعد على زيادة مساحة مشعر منى الحالي  بنحو 36% من مساحته الآن.


طريق رقم 2

·         لكن هنا كلام خطير يا دكتور. بمعنى أن كلّ حاج تجاوز حدود مزدلفة وبات ليلتها في المساحة التي حددتها بـ 36% من حدود مشعر منى، يكون قد جرح واجبا من واجبات الحج لا يجبر إلا بدم؟.
نعم.. وهذا ما أتخوف منه، لكنها مسألة يفصل فيها هيئة كبار العلماء وأهل العلم الشرعي. الواقع في مواسم الحج يؤكد أن هناك نسبة كبيرة من الحجاج تنفر من صعيد عرفة عبر طريق رقم (2) وتتجه إلى مشعر منى مباشرة من دون الدخول إلى حدود مزدلفة (التي تطرحها رؤيتي) بشكل كلي وقاطع. وهذه مسئولية تحتاج إلى نظرة معتبرة من أهل العلم الشرعي.

وأؤكد مجددا، رفعا لأي لبس في فهم ما أطرحه، أن ما أعرضه هنا هو رؤية جغرافية لا شرعية قاطعة، وأزعم أننا إذا قمنا باعتماد هذا الحل الذي يتماشى مع طبيعة الأرض وحدود الوادي الحقيقية فإن مساحة منى تزيد بهذا القدر، وتبقى مساحة مزدلفة في حدودها المعتبرة شرعا. وكما هو معلوم مناسك مشعر مزدلفة متحركة لا تلزم استقرار بشري لجميع حجاج الموسم، وليست لها صفة الثبات في وقت واحد كمناسك الحاج في عرفة ومنى التي تستوجب ذلك. إضافة إلى أنه لا أرى مشكلة فيما لو صغرت مساحة مزدلفة طالما أنها في الحدّ الشرعي لها، لأن المذاهب الإسلامية فيها أكثر من رأي في هذه المسألة. منها حط الرحال كما عند مذهب مالك. وفي رأي آخر إلى بعد منتصف الليل، وثالث حتى يغيب القمر، ورابع حتى تصلي الفجر كما في مذهب أبي حنيفة النعمان.

·         هل يعني كلامك أن تنفيذ مشاريع تطوير المشاعر المقدسة كانت تتم من دون وجود لجنة علمية وشرعية معتبرة قبل البدء في تنفيذها؟
حقيقة لا أعلم إن كانت هناك لجنة من عدمه في مشروع مزدلفة. الوضع الحالي يؤكد أن تنفيذ مشاريع المشاعر المقدسة تمت بدون أي إشراف من جهة شرعية أو علمية. وهذه الأخطاء لا يتحملها مهندسي التصميم والتخطيط بل الجهة المشرفة على التنفيذ. وقناعتي أنه يجب قبل الشروع في تنفيذ أي مشروع يتعلق بمكة أو المشاعر المقدسة أن يتم كما كان العمل به سابقا في توسعة الملك سعود للحرم المكي الشريف. حيث كان العمل حينذاك يتم تحت إشراف لجنة علمية شرعية تحدد وتضع رؤيتها لكل جزء في المشروع لتكون الشركات المنفذة على بينة من أمرها عند تنفيذ الخرائط الهندسية منعا للخطأ أو الالتباس.


·         هل قمتم برفع رؤيتك هذه إلى المقام السامي، أو أي جهة حكومية رسمية كوزارة الحج أو أمارة منطقة مكة؟.

لا، لم يسبق لي أن عرضت هذا البحث إلا في لقاءات علمية، لأنه يحتاج إلى قرار شرعي وحكومي رسمي. أول ما تم تقديم هذه الورقة في ندوة الملتقى العلمي السنوي لأبحاث الحج في موسم العام 1426 هجرية بحضور الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله وعدد من العلماء والمختصين، بعنوان "وادي محسر بين الواقع والحقيقة وجهة نظر جغرافية". ثم أعدت المحاضرة مرة أخرى في عام 1430هـ في حضور أمير مكة السابق الأمير خالد الفيصل في مدينة جدة وفي المرتين شعرت أن هناك اهتماما بالموضوع ولكن لم يحظى بأي متابعة أو استجابة حتى الآن.
 

هيئة كبار العلماء

·         هل وجد طرحكم أي اهتمام من العلماء الذين حضروا لمتابعة المحاضرة في المرة الأولى أو الثانية؟
نعم لقد علق على المحاضرة عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان بقوله: "إن العرض الذي قدمه د. معراج يحتاج إلى اهتمام للنظر فيه بدقة. وأن تتكون لجنة علمية وشرعية تضم علماء في الشريعة والجغرافيا وجيولوجيين ومهندسين للجلوس مع المحاضر للنقاش معه حول ما طرحه".


·         هل تفاعلت معك هيئة كبار العلماء.. وهل وصلت لهم نسخة من محاضرتك؟
لم يحدث للأسف. وأتمنى أن تهتم هيئة كبار العلماء بطرحي وتأخذ فيه قرارا بعد تكوين لجنة شرعية وعلمية متخصصة للمناقشة. أنا مستعد لمناقشة أي شخص حول هذا الموضوع. ويعلم الله أنني لا أدافع عن وجهة نظري إنما أعرضها عرضا أمام الجميع. إذا سلم بما طرحت فيها فالحمد لله، وإذا حدث العكس فلا غضاضة أن يقال لي يا معراج كلامك خطأ.

الموضوع بالنسبة لي أمانة ثقيلة أود أدائها وإبلاغها للمسئولين وولاة الأمر. ولا أطلب أبدا القناعة برأيي، بل برأي اللجنة العلمية بعد مناقشتها معي.


·         هل طرحكم يحتاج إلى تكلفة هائلة لتغيير حدود المشاعر خصوصا بعد تكامل مشاريع التطوير فيها كما هو مشاهد الآن؟
على العكس إطلاقا. كل ما نحتاج إليه الآن هو تغيير مواقع لوحات تحديد مشعر منى عن مزدلفة والعكس تقديما وتأخيرا فقط لتكون في حدودها الشرعية الصحيحة. إضافة إلى أن هذا التصحيح سيوفر مزايا إضافية ليس اقلها توسعة مشعر منى لاستقبال مليون حاج إضافي في كل عام.


·         ما هي المصالح المترتبة على الأخذ برأيك في هذه المسألة؟
مصالح كبيرة فيما لو أتضح صوابية الرأي الذي أطرحه. أولا: هناك واجب من واجبات الحج يتم التحقق منه لسلامة أداء النسك على الوجه الشرعي. الآن هناك حجاج يؤخذون على حين غرة بجهلهم بمسألة الوقوف في مزدلفة ومنى. ومن عرف منهم يخرجون للافتراش على جسر الجمرات. وهذا الأمر يحل في رأيي نسبة كبيرة من مشكلة الافتراش في الحج. بل أزعم أنه سيقضي عليها بشكل شبه كامل. كما يمكن استغلال مساحة 36% لإسكان الحجاج وهم مطمئنون إلى أنها من منى وليس مزدلفة. وأرى أن هذا الحلّ العلمي الجغرافي يوضح حقيقة حدود المشاعر المقدسة ويقدم حلا مناسبا يجب استغلاله لتحقيق هذه السعة المطلوبة.



إطار (1)

صورة توضح بقايا أحد سدود الحجاج الثقفي على القطع الصخري للجبل في أعلى روافد وادي محسر.


سدود الحجاج في أعلى الوادي دليل أيضا!

يؤكد د. معراج مرزا أنه كان في أعلى شرق وادي محسر من جهة المعيصم سدين للمياه كانت تعرف بسدود الحجاج بن يوسف الثقفي، قام ببنائها في العام 74 هجري.

للأسف اندثر السدّ الأول عندما أنشئ بالقرب منه مجزرة المعيصم. وبقي جزء من السدّ الآخر واضحا حتى الآن، رغم أنه تم تكسيره لفتح شارع في وسطه يؤدي إلى مرمى نفايات خلف الجبل!.
المهم هنا، علينا أن نتساءل لماذا وضع الحجاج الثقفي هذه السدود هنا على الرغم من أن مزدلفة ليست مكان للزراعة، بل هي المشعر الحرام؟. الجواب الوحيد هو أنه كان يسعى لحماية الحجاج فيما لو سقطت أمطار في موسم الحج وسالت شعاب جبلي ثبير والأحدب على وادي محسر مما سيقطع طريق الحجاج أثناء عبورهم موقف مزدلفة في اتجاههم إلى منى.




إطار (2)
 
صورة توضح إزالة ردم وادي محسر لتنفيذ مشروع تصريف السيول
وتبدو عبارة قديمة لتصريف المياه في مشروع سابق

أمطار وسيول جارفة عام 1991 كشفت مجرى وادي محسر الأساسي والطبيعي

يتذكر د. معراج مرزا انه في بداية شهر يناير العام 1992م هطلت أمطار غزيرة على المشاعر المقدسة وتحولت يومها مزدلفة كلها إلى بحيرة ماء، بسبب قيام الشركات المنفذة لمشاريع تطوير المشاعر في وقت سابق بردم مجرى السيل (وادي محسر) وتخصيصه لإنشاء مواقف للحافلات المخصصة لنقل الحجاج.
ما يحسب للسيول تلك المرة أنها كشفت للعيان وبشكل واضح موقع مجرى وادي محسر الأصلي، وليس الذي عليه الآن عند علامات حدود بداية ونهاية مشعري مزدلفة ومنى. بعدها استفاقت الجهات المسئولة عن مشروع مزدلفة، وعملت الدراسات والتصاميم الهندسية للمشروع. ويأبى الله إلا أن يكون التصريف الجديد في مكان مجرى الوادي الحقيقي.

وبالفعل تم تنفيذ مجرى للسيل تحت الأرض على شكل قناة صندوقية ضخمة من الخرسانة من بداية وادي محسر شرقا في المعيصم إلى نهايته غربا. وهذا يؤكد كلام الفقهاء الأولين من أن "واد محسر وادي برأسه".

وبالصدفة المحضة، أسعدني الحظ بأن أكون في إحدى الطلعات الجوية لمراقبة تنفيذ المشروع، وتأكدت من أنه أقيم في نفس مجرى الوادي الأساسي والطبيعي وقمت بتوثيق ذلك في صور فوتوغرافية (صورة رقم؟).
لكن من المؤسف إن عدم تعديل وضع علامات حدود مشعري مزدلفة ومنى في مكانها الصحيح، بعد تنفيذ مشروع تصريف مياه السيول، يؤكد أن كل الجهات لا زالت تؤمن أن وادي محسر هو في الوضع الحالي (الخاطئ) والذي لا يتجاوز عرضه عن 20 مترا فقط. ويبدو أن هذه قناعات ثابتة، بدليل أنهم عندما نفذوا القناة الصندوقية لتصريف السيول لم يخطر لهم التفكير أبدا أنهم يعملون في مجرى وادي محسر الحقيقي!.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم