الخميس، 26 مارس 2015

إكتشاف أنقاض مسجد الشجرة "بيعة الرضوان" في المناخ النبوي بالحديبية. ( 5 - 6 )


إحدى الصور القديمة التي يشاع أنها لمسجد الحديبية قديما. (المصدر: إنترنت)


مكيّون يحلون لغزّ مسجد بيعة الرضوان!



مكةالمكرمة: عمر المضواحي
بعد جهد دؤوب ومخلص تم اكتشاف وتحديد ما يعتقد أنه الموقع التاريخي لمسجد الشجرة (بيعة الرضوان) الذي طمست معالمه بعد جدل فقهي وعلمي حاد انتهى بإزالة كل أثر له في نهاية القرن الهجري الماضي (العام 1399هـ).
تولى د. معراج بن نواب مرزا مستشار وكالة جامعة أم القرى للأعمال والإبداع المعرفي والأستاذ الزائر في مركز التحليلات الجغرافية في جامعة هارفارد الأمريكية، مهمة حسم الحيرة والاختلاف التي وقع فيها الجميع خلال الجولات الميدانية السابقة.

وبعد تطورات دراماتيكية صادفت مهمة البحث وتحديد موقع مسجد شجرة بيعة الرضوان القديم في منطقة المناخ النبوي بالحديبية، خاصة بعد إكتشاف خطأ أرقام الإحداثيات التي رصدت في كتاب عضو هيئة كبار العلماء أ.د عبدالوهاب ابو سليمان بعد جولة ميدانية في العام 1421هـ شاركه فيها د. معراج مع مجموعة من العلماء والخبراء المكيين، كان من الضرورة بمكان الاستعانة بالخبير الجغرافي المكي لتوضيح المسألة واستجلاء حقيقة الأمر، لوضع النقاط على الحروف.

وقبيل تحديد موعد الجولة الميدانية له، أمضى د. معراج مرزا وقتا طويلا للبحث في مكتبته ومركز معلوماته الضخم بمنزله عن كل ما يمتلكه من وثائق وخرائط وصورا فوتوغرافية تخص منطقة الحديبية، للاستعانة بها في مهمته الجديدة.. ومن هنا تبدأ الحكاية:

د. معراج يوضح لأعضاء مبادرة معاد مواقع المناخ النبوي الجغرافية في الحديبية
في صبيحة يوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2014م كانت صحيفة مكة بمعية فريق مبادرة معاد لتعزيز الهوية المكية في انتظار وصول د. معراج مرزا للقيام بجولة ميدانية في المناخ النبوي بالحديبية، والوقوف معه على عين مكان مسجد "بيعة الرضوان" وأهم المواقع التي تم تحديدها خلال مشاركته في العام 2001م بمعية معالي عضو هيئة كبار العلماء الأستاذ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان وعشرة خبراء وفنيين آخرين في جامعة أم القرى ومركز أبحاث الحج والعمرة في رحلة علمية ميدانية (صباح الخميس 23 شوال 1421هـ) الى بعض المواقع أثرية شمال وغرب مكة المكرمة شملت منطقة الحديبية، قام د. أبو سليمان برصد تفاصيلها لاحقا في كتابه الشهير "الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة ـ عرض وتحليل" الصادر عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في العام 2009م.

د. معراج يشرح أمام مسجد الشميسي الحالي لكل من د. فايز جمال و م. أنس صيرفي المواقع النبوية في الحديبية
وقف د. معراج أمام باب المسجد الحالي مشيرا الى جهة الشمال قائلا: هناك يمكن مشاهدة ثنية المُرار (الكريمي حاليا) وهي درب بين الجبلين القائمين أمامنا التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أثناء نزولهما في الحديبية. وخلفهما في عسفان توجد حرّة كراع الغميم. بينما خلف المسجد يقف الجبل الذي تعلوه القلعة التاريخية والتي تشرف على الوادي، وسمي الجبل أيضا باسم البئر المعروف ببئر الحديبية.

د. معرج برفقة م. أنس صيرفي خلال جولته في الحديبية.
وأكد في رده على سؤال لصحيفة مكة: أنه من المستحيل تحديد مساحة المناخ النبوي في الحديبية بدقة كاملة. تماما كما لا يمكن لأحد أن يعرف تحديد مساحة غزوة بدر ولا غزوة أحد بدقة، ولكننا جميعا نعرف حتما المواقع التي حدثت فيها هذه الأحداث من دون تحديد مواقعها بشكل قطعي.

أضاف: جميع النصوص التي تناولت قصة الحديبية تؤكد أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو 1400 صحابي منتشرين في بطن الوادي ولم يكونوا متجمعين في كتلة واحدة. بدليل أنه عندما حدثت البلبلة بينهم نتيجة إعلان اتفاق النبي في معاهدة الصلح مع كفار قريش والتي قبل فيها صلى الله عليه وسلم العودة الى المدينة من دون إتمام مناسك العمرة، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها في خدرها وقالت له: يا رسول الله أخرج لأصحابك، وانحر هديك وأحلق شعرك فإنهم سوف يقتدون بك.

أضاف: وبالفعل خرج النبي وفعل ما أشارت به عليه، وصار هناك نداء عام ينبه الجميع بما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مما يعني ان أصحابه كانوا متفرقين في بطن الوادي. فلا يمكن تحديد أو حصر منطقة المناخ النبوي بشكل قاطع لكنه حتما كان هنا في سهل الجبل وحول البئر وموقع مسجد الشجرة. ويمكن اعتبار البئر نقطة ارتكاز المناخ النبوي، والمعروف ان الناس لا تجلس جنب الآبار مباشرة ليتركوا المجال لسقاية الحيوانات والجمال والخيول والهدي وغيرها بل على مقربة منه. تماما كما هو الحال في بئر طوى ومكان مصلى النبي منه. حيث توجد مساحة كافية وبمئات الأمتار.

صورة من جولة الفريق العلمي الذي رافق د. أبو سليمان في العام 1421هـ لتحديد مواقع الحديبية

تغييرات متسارعة
خلال الجولة بدا د. معراج مرزا واثقا من الأمكنة رغم اعترافه بالتغيرات الهائلة التي حدثت على أرض المناخ النبوي في الحديبية بعد إنشاء المنازل والاستراحات والأحواش وانشاء الطرق الفرعية والرئيسية التي لم تكن قد أحدثت في جولته الميدانية مع فريق مركز أبحاث الحج قبل نحو 13 عاما مضت.
أخذت الحيرة تضرب يقين د. معراج وهو يقود الفريق مشيا على الأقدام من موقع المسجد الحالي سالكا بين الطرق الفرعية الفاصلة بين موقعي المقبرة القديمة وبئر الحديبية. كانت الأسوار الجديدة للمقبرة القديمة وحوائط مستودعات شركة RCC التي يقع البئر داخلها تعيق ذاكرته على تحديد المكان بدقة، وتثير شكوكه في آن واحد بعد أن غلب على ظنه أنه تم توسعة المقبرة القديمة من اتجاه سورها الشمالي والغربي بعد مشروع تجديد أسوار المقابر في مكة المكرمة قبل نحو ثمانية سنوات.

د. معراج مرزا يقف ( الى اليمين)على ردم في موقع مسجد شجرة بيعة الرضوان في الحديبية.
أسقط في يد د. معراج، بعد أن اصطدم بتلال ترابية عالية (عقوم) كانت تحجز مواصلة سير الفريق قدما. وكرر البحث مرارا  يمنة ويسرة عن منفذ في الطرق المسدودة بالعقوم تمكنه من تحديد موقع المسجد القديم. في آخر الأمر قرر صعود عقم ترابي مخلوط بأرتال من بقايا ردميات بنايات قديمة في محاولة أخيرة للتأكد من ذاكرته، بعد أن كاد يصيبه اليأس والقنوط.

جانب مما يعتقد أنه من بقايا قواعد مسجد شجرة بيعة الرضوان المزال في عام 1399هـ
لم يجد معراج شيئا يذكر يدله على طلبته، لكنه لاحظ فجأة بقايا قواعد خرسانية ملقية تحت الردميات، توقف للحظات وفكر باحتمالية أنها ربما تكون قواعد المسجد القديم الذي تمت إزالته في العام 1399هـ. بدأ يتجول في الموقع متفحصا كل خطوة يخطوها للأمام، وأخرج كاميرته الفوتوغرافية ليلتقط عددا من الصور الفوتوغرافية للموقع وسط دهشة واستغراب فريق الجولة.
برقت ملامح استبشار في وجه الرجل. وبدا أنه واثقا من وقوفه في عين المكان الذي وقفه قبل 13 عاما، بعد أن لاحظ وجود قضبان حديدية نافرة من بطن الأرض تحت العقم الترابي وبين السور الحديث للمقبرة القديمة!.

د. معراج يلتقط صورا توثيقية لمواقع المناخ النبوي في الحديبية
بعد جهد بسيط، وجد أن هذه الأسياخ والقضبان لاتزال متصلة بميدات (قواعد) خرسانية لا تزال مطمورة تحت الأرض، عندها أعلن لفريق الجولة أنه يغلب على ظنه وقوفه على موقع مسجد بيعة الرضوان المزال. مشددا على ضرورة التأكد في جولة جديدة من أرقام الإحداثيات التي رفعت وتم رصدها في كتاب الشيخ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان ليقطع كل شك لديه عن حدسه وملاحظاته في الموقع.

كانت الشمس قد توسطت كبد السماء، وظهر الإعياء والتعب يخالط ملامح فريق الجولة الذي أخذت مشاعرهم تتردد بين مصدق ومنكر لما رأوه وسمعوه من قائد الجولة. اتفق الجميع بعدها وهم يحثون الخطى عائدين الى سياراتهم أنهم حصلوا ـ على الأقل ـ على طرف خيط قادهم الى معلومة مؤكدة، وحقيقة غابت لأكثر من أربعين عاما مضت!.

إطار 1
عضو هيئة كبار العلماء يوثق موقع الحديبية في كتاب "الأماكن
 المأثورة المتواترة في مكة"

كتاب الشيخ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان.

أرفق عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان في كتابه الشهير "الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة ـ عرض وتحليل" ملحقا خاصا في كتابه بعنوان "رحلة الى بعض المواقع الأثرية شمال وغرب مكة المكرمة" قام بها المؤلف بعد ترتيب من د. أسامة فضل البار وكان حينئذ رئيسا لمعهد أبحاث الحج في جامعة أم القرى بتاريخ يوم الخميس 23 شوال 1421هـ  (19 يناير 2001م).

السور الخلفي سور المقبرة القديمة. 1) د. ابو سليمان، 2) د. عويد المطرفي 3) المصور كامل أبو الخير،
 4) د. أسامة البار، 5) سمير نتو 6) فيصل ملا (بظهره أول الصورة)، 7) مصور تلفزيوني 8) عبدالعزيز قطب.

رافقهما في الجولة كل من د. عويد بن عياد المطرفي رحمه الله رئيس قسم القضاء (سابقا) ووكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة أم القرى (الذي كان يتولى مهمة التعريف بالطريق والأماكن التاريخية والأثرية) ود. معراج بن نواب مرزا أستاذ الجغرافيا في الجامعة، وعبدالعزيز قطب، وعدنان عبدالعزيز قطب، وسمير نتو ود. عبدالله شاوش وفيصل ملا والمصور السينمائي طلال قاضي، والمصور الفوتوغرافي كامل أبو الخير برحلة ميدانية لزيارة مواقع أثرية شملت مرّ الظهران (الجموم) و عسفان، والحديبية.

إطار 2


               الحديبية كما رآها فريق شرعي وعلمي في العام 2001

صورة توضح خيمة يستريح فيها النحالين لبيع العسل في الحديبية ويبدو بئر الحديبية خلفهما يسارا. من مجموعة د. معراج الخاصة)

تسرد صحيفة مكة النصّ الذي أورده المؤلف عن موقع المناخ النبوي في الحديبية (ص 262) .. كتب د. عبدالوهاب أبو سليمان يقول " ثم وصلنا الى الشميسي ( الحديبية ) ووقفنا على المكان الذي تمت فيه بيعة الرضوان، وكان فيه سابقا مسجد قديم، فأمرت وزارة الأوقاف عام 1399ه (1979م) بإنشاء مسجد جديد على موقعه، وبعد إقامته، جاءت الأوامر بإزالته فورا، وقد وجدنا عند وصولنا الموقع عددا من بائعي العسل معهم مناحلهم على سيارات، ووجدنا بالقرب من الموقع ـ الى الجنوب ـ بئر قديم لازالت المياه تشاهد في قاعه البعيد، التي ربما يصل عمقها الى حوالي 30 مترا. وإحداثيات موقع بيعة الرضوان هي: 21:26:09 شمالا و 39:37:40 شرقا" (وهي إحداثيات غير دقيقة بعد التثبت منها في جولة ميدانية مع فني مختص برفع الإحداثيات.

إطار 3

أبو سليمان لـ مكة: أسألوا د. معراج فلا ينبئكم مثل خبير !

مراسل مكة يصافح الشيخ الدكتور عبدالوهاب ابو سليمان في إثنينية الوجيه عبدالمقصود خوجه

بعد انتهاء حفل تكريم د. معراج مرزا في اثنينية الوجيه عبدالمقصود خوجة بجدة مساء يوم الاثنين (5 يناير 2015) التقت صحيفة مكة بالشيخ أ.د عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء السعودية حول رأيه عن عدم دقة إحداثيات موقع مسجد الشجرة القديم في الحديبية والتي سطر أرقامها في كتابه الشهير.

وقال ردا على سؤال لصحيفة مكة: لم اكتب كتابي الا بعد بحث مضن ورجوع الى كتب التاريخ والمصادر الموثقة، وأضفت إليه ملاحق لجولات ميدانية قمنا بها للتثبت من كل موقع فيه. في العام (عام 2009) طبع الكتاب عن طريق مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، ولا أتذكر الآن كيف حدث ذلك الخطأ. هذا الأمر في غاية الأهمية وأشكر لكم تدقيقكم لهذه المعلومة، وجزاكم الله خير أن نبهتموني إليه. وأرجو تزويدي بأرقام الإحداثيات الصحيحة لتدارك ذلك في الطبعة القادمة للكتاب.

أضاف: عندما صدر الكتاب كانت له اصداء واسعة، والتقيت مع بعض كبار المسؤولين للنقاش حول محتواه، وكيفية الحفاظ على هذه الأمكنة، لكن للأسف لم يحدث شيء من ذلك الحين الى الآن.
وأعلن الشيخ أبو سليمان عن مباركته لكل جهد في إحياء الأمكنة النبوية والتاريخية في مكة والمدينة على وجه خاص. وقال: إذا تم إحياء منطقة الحديبية فهذا أمر جيد، وهذه الأماكن لا يمكن إعادة إحياءها مرة أخرى الا بإرادة ملكية سامية كي تتم مثل هذه المشاريع.

أ. د. معراج نواب مرزا في منزله بمكة المكرمة.

من جانبه قدم د. معراج مرزا تفسيرا للخطأ في أرقام الإحداثيات الواردة في كتاب الشيخ أبو سليمان. وقال: إن أجهزة GPS تقدم قراءات خاطئة أحيانا بسبب تغييرات متعمدة تنفذها الإدارة الأمريكية على مواقع الأقمار الصناعية، خصوصا في أوقات الحروب والازمات السياسية الدولية.

أضاف: بحسب خبرتي في الخرائط والمصورات الجوية حدث مثل ذلك معي أكثر من مرة. وباتت من الأمور المعروفة في مجال برمجة الأقمار الصناعية. حيث تعمد وزارة الدفاع الأمريكية على تغييرات محددة ومحسوبة في مواقع الأقمار الصناعية بهدف إعطاء أرقام إحداثيات خاطئة للأجهزة الأرضية لإرباك أي خطط معادية.

خريطة من مجموعة د. معراج مرزا تحدد أهم المواقع في الحديبية.

وزاد: لقد تأكدت من هذا الأمر بعد عدة تجارب في مطابقة خرائط قديمة مصورة رقميا من قبل أمانة العاصمة المقدسة، مع صور لدي سحبتها عبر برنامج قوقل إيرث. وعندما أحاول مطابقة صور الأمانة مع صور قوقل لا تنطبق تماما وبشكل غير مفهوم، فجميعها تم التقاطها عبر إحداثيات فنية وعلمية. وبعد أن سألت وبحثت في هذه المسألة، وجدت أن هناك تغييرات متعمدة تحدث في بعض الأحيان لمواقع الاقمار الصناعية.

مشيرا الى أنه لا يستبعد مصادفة ذلك خلال رفع الإحداثيات في الرحلة الميدانية للدكتور ابو سليمان، مما أعطى قراءات خاطئة للإحداثيات يومها، وأرجح أن حدوث هذا الخطأ تم بسبب ذلك، من دون قصد من فريق الجولة.

هنا تدخل الشيخ د. أبو سليمان معقبا على حديث واستنتاج د. معراج مرزا بقوله: ولا ينبئك مثل خبير!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم