الجمعة، 11 أكتوبر 2013



 
مبادرة "معاد".. قصة مكيّة خالصة!



كأن لم يسمر بمكة سامر !
 



د. عبدالعزيز الخضيري وكيل أمارة مكة مستقبلا أول لقاء بالأعضاء المؤسسين
 لمبادرة معاد في قاعة الاجتماعات بمبنى الأمارة في مكة


جانب من أحد لقاءات أعضاء مبادرة معاد في مكة المكرمة


مكة المكرمة: عمر المضواحي
 
في أواخر العام 2011 أتيحت فرصة كافية لقلمي المتواضع للتعاطي مع تويتر، بعد أن هجر الصحف وانحاز للصحافة في شكل لو عرف خاتمته ما كان بدأ.

بعدها، كان الطائر الأزرق هو النافذة المتاحة للتعبير بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة. وكانت الـ 140 حرفا كافية لإبراء الذمّة وتسجيل شهادة لله والتاريخ ـ غير ملزمة لأحد ـ تحمل قناعات ورؤى خاصة تجاه ما يحدث في المكتين بلد الله وبلدة نبيه الخاتم. وهي آخر حاجة بقيت في محبرة (القلم) من مهنة المتاعب!.
في الصحافة المحلية كانت الموضوعات التي تناقش قضايا طمسّ هوية المكتين بالكاد تنشر. حيث تخضع معظمها في مطابخ الصحف الى كثير من الشك والريّبة، ومزيدا من فلاتر وأجهزة تنقية أكثر مما تفعل جميع محطات مؤسسة التحلية في تعاملها مع ماء البحر المالح.
في منتصف العام 2012 كان الموعد يتجدد على صعيد جبل أحد. حيث قام محتسبون جهارا نهارا وتحت حماية أمانة المدينة المنورة بصبّ وابل من الخرسانة الجاهزة على مدخل غار النبي صلى الله عليه وسلم حيث لجأ إليه ونفر من أصحابه بعد إصابته ـ بأبي هو وأمي ـ بشج في رأسه الشريف وكسر في رباعيته أثناء غزوة أحد.
فتح هاشتاق #غار_أحد وبعده #من_يهدم_تاريخنا وجاء الباكون والمتباكون من كل حدب وصوب. كان كلّ هاشتاق أشبه بسرادق عزاء وعويل للبسطاء والقلوب السليمة. لم يحضره أحد من أهل الحلّ والعقد كما كان يؤمل وينتظر. لا سماحة المفتي، ولا عضو واحد من هيئة كبار العلماء، ولا أي من كبار المسئولين في المدينة المنورة.
وظل الغار ـ غار أحد ـ يئن بصمت (حتى اليوم) لا تحت ثقل خرسانة الإسمنت الجاهزة فحسب، بل ومن نظرات التشفي والشماتة ممن يحسبون أنهم آمنوا وعملوا صالحا، ويمنّون أنفسهم بأن لهم جزاء الحسنى!.
كانت قلوب المؤمنين في مكة تبتهل في صلواتها أن يجبر الله كسّر جبل أحد (الذي يحبنا ونحبه)، وهو الشقيق السادس للأخشبين الصفا والمروة، ورحمة عرفات الله، وثور الهجرة، وحراء نور البداية المحمدية.
وتحولت قلوبهم الى مناديل تحاول مسح أحزان مدينة (يتيم مكة) ومهاجره، من أعداء الآثار النبوية وأنصار طمسّها تحت أساسات ناطحات سحاب ومشاريع أبراج إسكان سياحي تخفيها عن الوجود كاثر بعد عين ما بقي ليل أو نهار.
بعد شهور، تجددت أحزان مكة. وبدأت تتسرب المعلومات عن مصير غامض ينتظر سلسلة آثار نبوية ومعالم تاريخية في أم القرى. كانت بلدوزرات الهدم، ولا تزال، أكثر مما بقي من حمائم البيت العتيق. لم تبق جبلا ولا سهلا ولا واديا الا وكانت تنهش كل أخضر ويابس في جوع لا يشبع أبدا.
تحولت مكة بين ليلة وضحاها الى قطعة سكر تحاصرها جحافل نمل شره يمتص روح وريحان كل حلاوتها المقدسة. وكان رقيب النمل، كعادته دوما، متكئا على منسأته غافلا عن كل صوت يجأر حوله بـ يا غارة الله والنبي محمد!.
كان هاشتاق #أوقفوا_الهدم_في_مكة هو أحدث وآخر أبواق النذير يومها. تزاحمت المناكب والأفواه على مبسم البوق لينفخ كل من شاء آهات مكيّة تقطر حسرات وخيبات وطلب نجاة علّ أن تجد أذنا صاغية تنقذ ما تبقى من عاصمتنا المقدسة.
اختلط الحابل بالنابل في الهاشتاق الشهير. حتى كاد صوت الثكالى، يضيع بين فحيح النوائح المستأجرة، وعواء أصحاب أجندات خاطئة تنتظر أي موجة لتصعد معها لتسيء للكيان والوطن وأهله الطيبون.
وجد المبررون وشهود الزور فرصة جديدة، لتشكيك في وطنية وإيمان المطالبين بحماية آثار #مكة ومعالمها التاريخية وأوابد جبالها التي صمدت منذ خلق الله الأرض ومن عليها. وكانت التهم جاهزة، وسرعان ما وصموهم بالبدع وإحياء الشركيات، وأنهم ضالون مضلون عن مقاصد التوحيد بالله الواحد الأحد.
كان المكيّون ـ في وجه خاص ـ الأكثر صوتا وتفاعلا ومشاركة. في تلك اللحظة بدأ جنين #معاد يتشكل مضغة في رحم الغيب والمأساة التي تحيط ببطاح مكة ومقدساتها. جنين لا يعرف أحد غير الله سبب وجوده والهدف منه، وشقي هو أم سعيد.
كان الغبار لا يزال عالقا كغيمة ركامية جاثمة فوق أحياء كاملة تحيط بالحرم المكي إحاطة السوار على المعصم. ولم يكن هناك صوت غير هدير البلدوزرات. وكان الدمار هو المصير الحتمي لكل شيء في قلب مكة وكان موقف المبررون وشهود الزور أقسى على أهل أم القرى من فولاذ أسنان المجنزرات وأصابيع الديناميت المدويّة.
خلال سنوات قليلة، تم إزالة أكثر من عشرين ألف عقار بين منازل وأسواق ومساجد ومدارس ومستشفيات وطرقات عامة وغيرها. فقدت مكة الكثير من هويتها المقدسة بما فيها من آثار ومعالم وحياة مجاورين لبيت الله العتيق.
وبات هديل حمام البيت آخر صوت بكاء يتردد بين الأخشبين والبطاح المقدسة. كانت مكة، ولا تزال تبدو كيتيم لا ملجأ له ولا ناصر غير الله!.
تعددت الهاشتاقات، وكثر النافخون في أبواق التحذير والمناشدة، مع بدء الحديث عن هدم الرواق العثماني، ثم تبعه موقع المولد النبوي، قبل أن يصل الأمر الى بئر طوى، حيث مغتسل النبي في فتح مكة، ومن قبله سبعين نبيا نهلوا من ماءه العذب، وأزال عنهم شعثّ وغَبرّ وعثاء سفرهم الى بيت الله العتيق.
كانت الأصوات أقوى وأصدق أثرا هذه المرة. فالرواق العباسي ومكتبة مكة المكرمة وبئر طوى كغيرها خطّوط حمراء لا تقبل الذاكرة المكيّة المسّ بها، وبات صوت الاستغاثة يتسع شيئا فشيئا حتى أيقظت عيونا غارقة في وسن النوم والغفلة، وأسمعت آذانا لاهية عن غضبة رجالات البلد الأمين ونساءه.
كان المستغيثون يشكلون نموذجا مصغرا عن فسيفساء المجتمع المكيّ بكل تفاصيله وتنوعه المثير. وجاءوا من مشارب ثقافية وعلميّة وعمليّة شتى. لا تربط معظمهم علاقة أو معرفة سابقة ببعض. كان حبّ مكة هو القلب، والعروة الوثقى التي ألتف حولها الجميع في عزم وصبر جميل.
هذا التنوع في الأصوات أتاح تقديم معلومات دقيقة وموثقة، وطرحوا آراء ورؤى لا تقبل الجدل والإنكار. وسرعان ما تهاوت الحجج المضادة وبات التشكيك فيهم وفي قضيتهم ضربا من الافتراء والكذب على الله والحقيقة.
قبل نحو عشرة أشهر تقريبا، تبادل د. عبد العزيز الخضيري بصفته مهتما بالتنمية المستدامة ـ لا وكيل أمارة مكة ـ وعن سابق معرفة، بضع تغريدات مع المهندس جمال شقدار عبر لسان الطائر الأزرق. ولفته أن م. شقدار كان من بين المغردين في معظم الهاشتاقات المكيّة، وراق له أسلوب تغريداته التي كانت ولا تزال تتسم بالمعلوماتية والحكمة والوطنية.
تمكن د. الخضيري وصديقه م. شقدار (بتوفيق الله) من تطوير النقاش ونقله الى مسار إيجابي. قال له: أتابع الأصوات المستغيثة وأجد فيها ما يستحق الوقوف عليها. أريد أن أسمع منكم مباشرة، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا!.
خلال أيام انتشرت رسائل م. شقدار الخاصة في بريد عدد من الناشطين في الهاشتاقات المكيّة. وتبرع الوجيه المكي د. فايز بن صالح جمال أن يتم التحضير للقاء الرسمي في داره العامرة. وأولم للحضور بكبش سمين.
تقدم اللقاء الأول لأعضاء مبادرة معاد  السيد د. سمير برقة، و م. أنس صيرفي، وغسان نويلاتي، وحسن مكاوي، ومحسن الشيباني، وحسن شعيب، وعصام مدير، وممدوح طيب، والسيد محمد علي يماني، و م. مجاهد شقدار، وآخرون لا تسعف الذاكرة أسمائهم.
تم الاتفاق على تنفيذ عرض موجز لمقام إمارة مكة يوضح في إيجاز غير مخلّ الآهات المكيّة حول الآثار النبوية والمعالم التاريخية مزودة بالصور والشروحات اللازمة. وتم تزكية د. فائز أن يكون الأب الروحي للمبادرة بعد عدة اجتماعات في مكة وجدة.
كان د. عبدالعزيز الخضيري يصافح الوفد باحتفاء ظاهر، قبل أن يستضيفهم في قاعة الاجتماعات الذكيّة في مبنى الإمارة في مكة. وسرعان ما أتسعت حدقتا عين وكيل الأمارة إعجابا وتقديرا من حجم المعلومات وخلفية كل عضو شارك في حضور اللقاء، قبل أن يقطع وعده بالدعم والمساندة لإنجاح روح المبادرة حتى النهاية.
تكررت بعد ذلك اتصالات ولقاءات مختصرة بوكيل امارة مكة. قبل أن تشمل لاحقا عددا من كبار المسؤولين في الأجهزة الحكومية. حيث انتهى فريق المبادرة، بعد أن توسع عدد أعضاءها بنخبة كريمة شملت م. حسن عبد الشكور، وصالح أنس صيرفي، و م. إبراهيم كلنتن وآخرون.
كان كل رجل منهم بألف رجل (حاشا كاتبه والله) وبذلوا من الوقت والجهد والمال والعمل ما تعجز الكلمات عن وصفه شهادة لله وإعطاء كل ذي حق حقه. قام رجالات "معاد" بعمل تصاميم هندسية خاصة لكل من مولد النبي، وبئر طوى، وعدد من المساجد والمقابر التاريخية في شكل يتكامل مع كلّ تصاميم المخطط العام لمشاريع التوسعة وتطوير مكة.
وتبرع أ. ممدوح طيب بالتعاون مع م. حسن عبد الشكور في توثيق إحداثيات لكل أثر ومدر ثابت في السيرة النبوية وتاريخ مكة لإسقاطه على الخرائط الرسمية لمنطقة مكة في شكل يحافظ عليها عند التفكير مستقبلا بأي تطوير يشمل موقع أثري نبوي أو تاريخي في جغرافية البلد الأمين.
وتحمل م. أنس الصيرفي الى جانب التصاميم الهندسية أعباء كلفة تدقيق كتاب شفاء الغرام التاريخي، وأسند المهمة الجبارة على كتفي الوراق المكي أ. غسان نويلاتي صاحب المكتبة المكيّة لإنجازها في أقرب وقت ممكن.
فيما كان السيد د. سمير برقة حمامة السلام، ولسان صدق للمبادرة الى جانب دوره المؤثر في تنظيم رحلات دورية نافت على 400 رحلة للتعريف بكل المعالم النبوية والتاريخية من تخوم الشمال في مدائن الحجر والعلا، مرورا بالمدينة المنورة وطريق الهجرة، وصولا الى آثار مكة وأوابدها.
وكان أ. حسن المكاوي و أ. محسن الشيباني أقلام صدق في التعريف بالمبادرة عبر موقع قبلة الدنيا، وتنسيق اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، ومن ثم لاحقا عبر إنشاء حسابات خاصة لمبادرة "معاد" في تويتر ويوتيوب والفيس بوك، للتعريف بها وبنشاطها المدني التطوعي،
كان أهم ثمرات "معاد" إعداد فيلما وثائقيا يوضح رؤيتها وأهدافها كجمعية تطوعية تندرج تحت الحراك المدني، وتنفرج على كل من يستحسن رؤيتها العامة لمستقبل بلد الله الأمين، وكان الفلم رسالة قوية التأثير في كل من شاهده، وانهمرت طلبات الالتحاق بالمبادرة والمشاركة فيها بأي جهد أو عطاء ممكن.
خلال الأشهر الثمانية المنصرمة التقى فريق مبادرة "معاد" بكل من أمين العاصمة المقدسة د. أسامة البار، وأمين هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة د. سامي براهمين، ومسؤولين كبار في كل من شركة بن لادن، ومعهد الملك فهد لأبحاث الحج وهيئة السياحة والآثار الوطنية وغيرها. وكانت البركات وفيوض القبول الربانيّة حاضرة في توفيق كل لقاء ومناسبة.
وكانت أولى الثمرات المباركة لمبادرة "معاد" التي تنمو ببركة الدعاء وحرصّ أصحاب القلوب السليمة.، حماية بئر طوى من أسنان البلدوزرات وفق شروط حماية صارمة وجدت تأييدا من الجميع، وكانت وعود الدعم والمؤازرة تملئ سلال اللقاءات المثمرة يوما بعد آخر.
وتلك قصة أخرى، يطول الحديث عنها لاحقا!.  
 



الاثنين، 7 أكتوبر 2013

 
قراءة في مفاتيح الكعبة وبابها الأول والأخير..
 
من الملك تُبّع أبي كرب الحميري الى الملك فهد بن عبدالعزيز


باب الكعبة المشرفة  الحالي



ملاحظة: تلقيت قبل قليل إتصالا كريما يوضح حاجة هذه التدوينة الى تدقيق فيما يتعلق بأبواب الكعبة في العهد السعودي. فلزم التنبيه الى حين مراجعة المعلومات مرة أخرى مساء اليوم إن شاء الله. المحرر
  
مكة المكرمة: عمر المضواحي

تسلم البارحة (غرة شهر الحج 1434هـ ) كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي من يد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي د. عبدالرحمن السديس النسخة الثامنة من كيس مفتاح الكعبة المشرفة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله. جاء ذلك خلال مراسم حفل تسليم كسوة الكعبة جريا على العادة السنوية في مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
الكيس والمفتاح الحالي لباب الكعبة المشرفة (صورة خاصة بالمدونة)
 
كيس المفتاح نسج من الحرير الأخضر على بطانة من افخر انواع القطن المصري طويل التيلة. يحف الكيس في شكل مستطيل زخارف نباتية متكررة في كل طرف منه وفي وسطه كتبت آية قرآنية بحروف بارزة بخيوط وأسلاك من الذهب والفضة " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " وفي الوجه الآخر وعلى ذات النسق كتب اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر بصنع الكسوة وكيس المفتاح مع سنة نسجه هذا العام 1434هـ، ليحمل اسمه طوال فترة عهده كملك للبلاد.

في هذه التدوينة نلقي الضوء على جانب من تاريخ أقفال ومفاتيح الكعبة المشرفة، وأول من قام بوضع باب وقفل على بيت الله العتيق، وعلى مفاتيح الكعبة المعروفة اليوم وهي تسع وخمسون مفتاحا فقط منذ أن رفع النبي إبراهيم الخليل بمعونة ابنه إسماعيل قبل نحو ستة آلاف سنة قواعد بيت الله العتيق في قلب واد غير زرع يخترق جبال مكة المكرمة.
 
جزء من أقدم قفل معروف لباب الكعبة يعود للقرن الثالث الهجري.
 
وتعد المجموعة الأثرية لمفاتيح وأقفال باب الكعبة هذه من أندر وأثمن قطع الفن الإسلامي المعروفة اليوم. ويعود تاريخ صنع أقدمها الى العصر العباسي في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي. وأحدثها ـ قبل المفتاح الذي يحتفظ به الآن كبير السدنة ـ موجود ببابه وقفله في المتحف الوطني في العاصمة السعودية الرياض. لكنه ـ بحسب اطلاعي المحدود ـ لا يأتي له ذكر في جميع وثائق تسجيل مفاتيح وأقفال باب الكعبة المشرفة خارج المملكة.


مجموعة من مفاتيح الكعبة القديمة


وجميع هذه المفاتيح والأقفال التي صمدت من الضياع والتلف، معروف مكانها ونوع مادتها وتاريخ صناعتها، وأسماء من عملها من الخلفاء والملوك والسلاطين على سبيل الإهداء للكعبة المشرفة خلال إحدى عشر قرنا الماضية. منها 53 مفتاحا في متحف طوب قابي في اسطنبول، واثنان في مجموعة نهاد السعيد الخاصة في الرياض، ومثلهما في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والأخير في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

في التاسع من شهر أبريل 2009 بيع مفتاح للكعبة المشرفة يعود الى القرن الثاني عشر في مزاد صالة سوذبي في لندن بمبلغ 9.2 مليون جنيه إسترليني (18.1 مليون دولار) مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا لقيمة عمل فني إسلامي يباع في مزاد. كان السعر المبدئي للمفتاح يقدر بنحو نصف مليون جنيه إسترليني فقط.

لكن بعد اسبوعين من إعلان البيع لشخص مجهول ـ كان سيعد المثال الوحيد المعروف على ملكية فرد لمفتاح الكعبة ـ تراجعت سوذبي عن البيع، وأعادت  المفتاح الحديدي الذي يبلغ طوله 37 سم لمالكه الأصلي بعد أن إكتشف خبراء الفنون الإسلامية إنه ليس أصليا بالنظر الى شكوك حول شكل الخط الكوفي المنحوت في جسم المفتاح، واخرى حول قدمه أيضا.
 
باب الكعبة القديم في المتحف الوطني في الرياض (الاقتصادية)
 
يؤكد الشيخ عبد الملك بن طه الشيبي شقيق كبير السدنة الحالي أنه تم تغيير باب الكعبة المشرفة مرتين منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة قبل نحو 83 عاما. وأن لباب الكعبة الحالي مفتاحا وقفلا واحدا استمر العمل به طوال العهد السعودي وحتى اليوم. وأوضح أن الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله قام في العام 1398هـ  باستبدال آخر باب عثماني للكعبة المشرفة وتغيير قفلها ومفتاحها الذي أمر بصنعهما السلطان عبد الحميد خان في سنة 1309هـ الموافق لعام 1891م.

في العام 1417هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله باستبدال باب الكعبة وصنع آخر جديد، مع إبقاء قفله ومفتاحه، بعد أن شرفه الله بمشروع ترميم كامل وشامل لبناء الكعبة المشرفة والذي دشنه ولي العهد آنذاك (الملك الحالي) عبدالله بن عبدالعزيز.
 
مفتاح باب الكعبة الحالي (صورة حصرية للمدونة)
 
وأوضح الشيخ عبد الملك الشيبي أن بابي الكعبة في العهد السعودي وقفلها ومفتاحها الحالي تمت صناعتهما بالكامل في مكة المكرمة على يد شيخ الصاغة فيها الشيخ محمد بدر رحمه الله. حيث قام بنقل القفل والمفتاح الحديدي القديم الذي صنعه بنفسه في عهد الملك خالد بنفس مواصفات قفل الباب الذي يعود إلى عهد السلطان عبد الحميد. وقام بتلبيسه مقبض المفتاح بالذهب الخالص قبل إعادة تركيبه مجددا على باب الكعبة الحالي بما يناسب تصميمه ومع زيادة ضمانة الإغلاق دون الحاجة إلى صيانة.

وينفي الشيخ عبد الملك احتفاظ سدنة بيت الله العتيق بأي نسخة من مفاتيح أو أقفال قديمة للكعبة المشرفة. مؤكدا أن كبار السدنة طوال تاريخهم يحملون مفاتيحها فقط، ويقومون باستلام الجديدة وتسليم القديمة للخلفاء والسلاطين والملوك الذين يأمرون بصنعها للكعبة طوال الحقب والعصور الإسلامية السابقة.
 
الشيخ عبدالملك الشيبي وبيده صورة جده السادن عبد الله الشيبي  (خاصة وحصرية)
 
ويفسر شقيق سادن الكعبة المشرفة سبب تعدد مفاتيحها وأقفالها في عهد الخلافة العثمانية بأنه يعود الى قيام كل سلطان أو خليفة عند توليه مقاليد الخلافة يأمر بعمل مفتاح وقفل جديد يحمل اسمه ويبعث به على سبيل الإهداء للكعبة المشرفة، إظهارا لنفوذه السياسي كخليفة لعامة المسلمين، فضلا عن دلالة فكرة الرعاية والعناية والحرص وعالي التقدير لكل ما يتصل ببيت الله الحرام.

تبع الحميري وأول باب للكعبة

وترجح كتب تاريخ الكعبة المعظمة أن الملك تبّع اليماني أبي كرب أسعد الكامل الحميري (220 قبل البعثة النبوية ) كان أول من جعل للكعبة باباً يغلق بضبة (قفل له مفتاح) ولم يكن يغلق قبل ذلك. وأورد كثير من مفسري القران الكريم أنّه هو وقومه المعنيين في قوله تعالى {أهم خير أم قوم تبُّع{ وقد قيل فيه شعرا يؤكد فعله ويصف قدومه الى مكة وما صنع في بيت الله العتيق:

وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء معضدا وبرودا
فأقمنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابه إقليدا

كما أن تبع الحميري هو أول من كسى الكعبة المشرفة بالكامل بالوصائل والحبرات. والقصة معروفة في تاريخ كسوة الكعبة المشرفة.
أحد المفاتيح القديمة لباب الكعبة
 
وفي مجموعة أقفال الكعبة المحفوظة في دائرة البردة الشريفة ضمن ما عرفت باسم (الأمانات المباركة) بمتحف طوب قابي في إسطنبول جزء من قفل خشبي بطول 23 سم، وعرض 7 سم وسمك 6.5 سم يرجع الى العصر العباسي في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي ويعتقد أنه أقدم أثر مسجل علميا كقفل لباب الكعبة المشرفة. (صورة جزء من قفل)

لكن أقدم مفتاح كامل لباب الكعبة، موجود ضمن مجموعة الأمانات المباركة من النحاس الأصفر عليه كتابات مكفتة بالفضة ويعود تاريخ صنعه الى شهر رمضان العام 506 هـ (1112م) في عهد الدولة العباسية.
 
كتاب شاف وواف عن مجموعة مفاتيح الكعبة في متحف طوب قابي في استنبول.
 
وفي كتاب "الكعبة المشرفة دراسة أثرية لمجموعة أقفالها ومفاتيحها المحفوظة في متحف طوب قابي باستانبول وهو من تأليف د. طرجان يلماز الأستاذة المشاركة في كلية الآداب بجامعة استانبول وأمينة جناح التحف المعدنية بمتحف طوب قابي بين عامي (1975 ـ 1980م) شرحا وافيا وغير مسبوق عن كل المجموعة الكاملة فيه، وهو مزودا بالصور والرسومات والشروح والتعليقات لكل قفل ومفتاح على حدة.

وترجم الكتاب الى العربية تحسين عمر طه أوغلي لصالح مركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول التابع لمنظمة العالم الإسلامي (آرسيكا) والذي يعتبر أول كتاب في اللغة العربية يتناول قصة وتطور مفاتيح الكعبة، ومحاولة جادة لتوجيه الأنظار الى موضوعه الذي لم يكتب عنه الكثير.

وصول محمل كسوة الكعبة قديما الى مكة المكرمة

وجاء في المدخل التاريخي للدراسة التحليلية للمجموعة الكاملة أن مفاتيح وأقفال ابواب الكعبة المشرفة كان يخصص لاستقبالها بعد انتقال مقاليد الحكم الى عهد الخلافة والدولة العثمانية (600 عام) احتفالا مهيبا وموكبا خاصا يسمى (موكب المفتاح) يتضمن بروتوكولات خاصة عند وصوله الى قصر الخليفة العثماني في إسطنبول وهو لا يقل اهمية من الاحتفالات العثمانية الأخرى التي كانت تقام بمناسبة إرسال الصرة والمحمل الشريف الى الأراضي الحجازية.

كما كانت الأقفال والمفاتيح الجديدة التي ترسل الى باب الكعبة تتقدم المحمل الخاص بـ (كسوة الكعبة) وفق نظام دقيق وعناية لافتة ـ خاصة عندما دخلت الدولة العثمانية مرحلة ضعفها ـ كونها ترمز وتؤكد على أن السلاطين العثمانيين هم حكام مكة والمدينة وخلفاء الإسلام والمسلمين.
 
أحد مفاتيح الكعبة القديمة في مجموعة متحف طوب قابي.
 
ونبه الكتاب الى أن أقفال ومفاتيح الكعبة حفظت سجلا تاريخيا ليس لتطور وصناعة التعدين الإسلامية على مر العصور فحسب، بل وتطور تاريخ الكتابة والخط العربي كون الكتابات على الأقفال والمفاتيح هي عنصر الزينة الأساسي، الى جانب توثيق متسلسل للزخارف والنقوش الإسلامية بأنواعها ووفق مدارسها المختلفة.

كما يفسر مراجع كتاب د. طرجان يلماز في مقدمته الضافية وهو الخبير في مركز الأبحاث السيد أحمد محمد عيسى ونائب رئيس مجلس إدارته، وجود اكثر من مفتاح يحمل كل منها نفس تاريخ الصناعة يرجع في الأغلب الى أن للكعبة بابين: أحدهما هو الخارجي المعروف، والثاني الداخلي وهو في جوف الكعبة (خلف الركن العراقي) ويسمى باب "التوبة".

واشار عيسى الى أن هناك من المفاتيح مالا يحمل أي إشارة تدل الباحث على أنه عمل من أجل باب الكعبة أو من اجل أحد ابواب المسجد الحرام او الروضة المطهرة في المدينة المنورة.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ين عبدالعزيز أمر في منتصف شهر  محرم الماضي (1434هـ)  بعمل قفل جديد ومفتاح خاص تصنع من الذهب الخالص وعلى نفقته الخاصة لباب الكعبة الداخلي "باب التوبة" الذي تم تركيبه بعد الإنتهاء من الترميم الشامل لبناء الكعبة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز (كان محله ستارة من الحرير الأحمر تخفي وراءها سلّم معراج يؤدي الى سطح الكعبة).
مفتاح باب التوبة الى اليمين فمفتاح مقام ابراهيم والى يساره مفتاح باب الكعبة (من مجموعة الفوتغرافية سوزان اسكندر)
ووجه الملك عبدالله أمير منطقة مكة خالد الفيصل بتركيب القفل الجديد للباب الداخلي في منتصف شهر محرم الماضي 1434هـ بعد إنتهاء موسم الحج الماضي وتسليم مفتاحه الجديد لكبير سدنة البيت الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي. وبهذا يكون المفتاح الثالث في حوزة سادن الكعبة الى جانب مفتاح الباب الرئيس لها ومفتاح خاص بمقام إبراهيم عليه السلام الذي يعد من وظائف ومهام حجبة بيت الله العتيق.

السبت، 5 أكتوبر 2013


محاولة لاجتراح جدار السريّة واستنطاق الشائعات حوله:
لغزّ مفتاح "السديس" رقم 61 لباب الكعبة المشرفة!
ـ هل القفل والمفتاح الجديد في نسختين كأول مرة في تاريخ أبواب البيت العتيق؟!
ـ ما السرّ وراء عدم تسجيل باب الكعبة الموجود في المتحف الوطني في الرياض؟

 
د. السديس يتمعن في النسخة الأولى للمفتاح رقم 61 والى يساره د. محمد السويل (المصدر: موقع الرئاسة العام لشؤون الحرمين الشريفين)
 
د. السديس في صورته المثيرة للجدل أمام باب الكعبة وهو يحمل فيما يبدو النسخة النهائية لقفل باب الكعبة الجديد (المصدر السابق) 
 

مكة المكرمة: عمر المضواحي

في التاسع من شهر ذي القعدة الماضي وقبل ثلاثين يوما بالتمام على يوم عرفة حيث تبدأ مراسم فتح باب الكعبة لتجديد كسوتها السنوية ظهر للعلن ولأول مرة قفلا ذهبيا ومفتاحا جديدا بيد الرئيس العام لشؤون الحرمين د. عبدالرحمن السديس وهو يقف مبتسما على أعتاب باب الكعبة من دون سابق إعلان أو تمهيد!.

بين يوم وليلة بات المفتاح الذي يحمل الرقم 61 في سجلات مفاتيح أبواب الكعبة المعروفة لغزا كبيرا لا يعلم إلا الله، والراسخون في العلم مواصفاته مع قفله الجديد. هذا الحال أستوجب بذل محاولة متواضعة للقفز على أستار السريّة الحديدية للدخول الى عالمه واستنطاق ما نبت من شائعات كمصدر وحيد ومتاح لتركيب صورة ـ تشبه لعبة بازل ـ للخروج بشيء يمكن تخيله ولو عن جانب من هذا اللغز الكبير.
اليوم، يحمل كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي المفتاح رقم 60 لباب الكعبة المشرفة. والمفتاح ذي بدن اسطواني الشكل من حديد الإستيل الصقيل بطول 35 سنتيمتر متوجا بمقبض دائري ملبس بالذهب الخالص.

والمعروف أن هناك ثمانية وخمسون مفتاحا فقط هي كلّ ما يعرف العالم اليوم من مفاتيح باب الكعبة المعظمة. منها 53 مفتاحا في متحف طوب قابي في اسطنبول، واثنان في مجموعة نهاد السعيد الخاصة في الرياض، ومثلهما في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والأخير في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

واللافت أن آخر باب صنع في عهد الدولة العثمانية بأمر السلطان عبد الحميد خان في سنة 1309هـ الموافق لعام 1891م. تم استبداله بقفله ومفتاحه (الذي يحمل الرقم 59) في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز في العام 1398هـ . وهو غير مسجل ضمن السجلات العالمية، ولا يشار الى ذكره ابدا، رغم أنه كان موجودا ومعروضا بالكامل في متحف عمارة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، قبل نقله الى المتحف الوطني في العاصمة الرياض. وتلك قصة أخرى!.

الصور المتوفرة للمفتاح رقم 61 بثها لأول مرة الموقع الإليكتروني للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في 14 /9/ 2013 المنصرم رفقة تقرير إخباري مطول. لكن التقرير وللأسف لا يقدم أي تفاصيل تذكر عن مواصفات القفل وخصائص المفتاح الجديد. وكان واضحا أن مسئولي الرئاسة قرروا الاكتفاء مبدئيا بالقاعدة الصحافية الشهيرة؛ الصورة تغني عن ألف كلمة!.. وقد كان!

هناك سرّ وغموض آخر يحوم حول القفل والمفتاح الجديد. ولا يحتاج من ينظر إلى القفل الذي كان بين يدي د. السديس وهو واقفا على أعتاب باب الكعبة، كبير جهد ليعرف بأنه نسخة أخرى ـ  قطعا ـ وتختلف في شكل جوهري عن النسخة التي تظهرها صورة أخرى وأخيرة لقفل ومفتاح وغطاء كالتاج في مكتب د. عبدالرحمن السديس أثناء لقاءه د. محمد السويل الرئيس العام لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بحضور نائب رئيس شؤون الحرمين الشريفين د. محمد الخزيم.

فهل نحن أمام نسختين لقفل المفتاح رقم 61 ؟!. لو صح ذلك، وهو ما يتضح بمقارنة الصورتين، فإننا أمام أول حالة لا سابق لها في تاريخ مفاتيح الكعبة المشرفة الذي يصنع لقفلها مفتاحا واحدا فقط يتم تسليمه الى كبير سدنة بيت الله الحرام ليحافظ عليه في حرز مكين الى حين الحاجة الى تغيير القفل والمفتاح معا.

الصورة الأولى للمفتاح رقم 61 تظهر د. محمد السويل الرئيس العام لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مكتب الرئيس العام لشؤون الحرمين، والى يمينه يجلس د. عبدالرحمن السديس وهو يقلب المفتاح بين يديه، ويدقق في صنعه ونقشه وقياس طوله في تركيز واضح.

تظهر الصورة أن طول المفتاح بدا في حدود 35 سم تقريبا مقسما على ثلاثة أقسام: رأس مكوّر عليه نقوش، ورقبة تبدو أنها إسطوانية أو على شكل منشوري متعدد الأضلاع والزوايا مكفتة بنقوش وزخارف دقيقة. أما بقية بدن المفتاح فتبدو كأساور متعددة أو فصوص مضلعة تنتهي في طرفه كرة بيضاوية تسند ثلاثة فصوص لفتح القفل.

وأمام د. السديس ود. السويل وعلى طاولة خشبية يظهر بوضوح جسم القفل الجديد وهو سداسي القطاع ومجوف في شكل اسطواني ينتهي بشبك متعدد الفتحات تناسب فصوص المفتاح. ويبدو أن طول بدن القفل أقل من 45 سم قياسا بحجم الطاولة الصغيرة. وتعلو مقدمة القفل طربوش على هيئة كأس محلى بزخارف ونقوش نباتية وعلى مقربة منه بدا غطاء القفل الذي صنع بدقة واضحة وكأنه تاج ملكي بكامل صفته ومواصفاته.

وتظهر الصورة، أيضا، أن القفل والمفتاح مصنوعان بطريقة جديدة وتصميم يختلف عن سائر أقفال ومفاتيح الكعبة السابقة والمعروفة. وأنهما صنعا بالكامل من الذهب الخالص مع نقوش هائلة ومتنوعة الزخرفة والكتابة محفورة ونافرة. وجوف القفل السداسي لا يظهر أي شيء لطريقة عمل المفتاح سوى شبك متعدد الفتحات. ويغلب على الظن أنها طريقة مبتكرة للقفل بالنظر الى نهاية فصوص المفتاح التي لا شبيه لها قطعا في نظرائه سابقا.

أما الصورة الثانية والأخيرة فهي تظهر د. السديس وهو يقارن قياسات القفل الكامل بيديه على باب الكعبة مباشرة، فهو يختلف تماما، شكلا وحجما وحتى وزنا، وكأنه نسخة أخرى معدّلة ونهائية خصوصا في القسم الأعلى لجسم القفل السداسي الذي يبدو مشابها الى حد ما بالنسخة الأخرى، ما عدا خلو الصورة من إظهار الغطاء الذي يشبه التاج الملكي.

 فالكأس المنقوش في أعلى طرفه (في الصورة الأولى) تحول الى شكل مقبض صقيل اسطواني الشكل بارتفاع 8 سم، وبدنه منحوت على شكل أضلاع خفيفة تستند على قاعدة مربعة الشكل بارتفاع 2 سم. وهي مثبتة ببدن القفل ويتصل من المقبض وإليه جسرا رباعي الأوجه يمتد لينتهي طرفة بشكل كروي مثبتة الى داخل مقبض آخر مشابه له في الصفة في الطرف المقابل للقفل!.

هذا ما يمكن الإشارة إليه حتى الآن. فالمفتاح رقم 61 ضرب عليه ستارا من السريّة لا ترشح عنه أي معلومة صغيرة أو كبيرة. فلا يعلم أحد حتى الآن طريقة عمله. وما إذا كان تقنيا أم بالطرق القديمة المعروفة. ولا من أشرف على تصميمه. ولا من نفذ صناعته بهذه الدقة الواضحة. وأين صنع هل في الداخل أم في الخارج. ولا يُعرف حتى نوع النقوش والزخارف والآيات والكتابات الظاهرة على جسم القفل السداسي الشكل.

كل ما تم الإفصاح عنه ـ حتى اليوم ـ سلسلة تقارير إخبارية عن لقاءات وزيارات  واجتماعات متبادلة، في شكل لافت، جمعت بين كبار مسئولي رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية في كل من مكة والرياض خلال السنوات الثلاث الماضية. قبل أن يتم الإعلان عن سلة مشاريع للتعاون المشترك في تنفيذ عدد 16 مشروع بحثا علميا متعلقة بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وكالعادة لم ترشح أي معلومة عن طبيعة ومجال هذه الأبحاث العلمية أيضا، باستثناء ما يتعلق بتطوير أجهزة الصوتيات، وأنظمة الإضاءة في الحرمين الشريفين.

هذا التكتم والتعتيم من قبل رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية خلق مناخا وبيئة خصبة للشائعات والأقاويل الخرافية، وكثرة الأسئلة المتعطشة لبرد الأجوبة المنطقية. لعل أخطرها وأكثرها إثارة للقلق ما تروجه الشائعات من أن رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية اتفقا على التعاون في بحث مشترك يتعلق بمقام إبراهيم عليه السلام!

هذه الشائعات تؤكد، إحياء الملف القديم الخاص بوضع حلّ عملي لإزاحة مقام إبراهيم من مكانه الحالي، لتسهيل إدارة وحركة حشود الطائفين حول الكعبة. وأن رئاسة الحرمين مدعومة بكل ثقل هيئة كبار العلماء أكبر مؤسسة دينية في السعودية قررت الدخول في دراسة جادة بالتعاون مع مدينة العلوم والتقنية لوضع مقام إبراهيم بالكامل داخل أنبوب اسطواني (كالمصعد الكهربائي) بآلية وتقنية خاصة تسمح بإنزاله الى بطن صحن المطاف عند الزحام الشديد على أن يرفع آليا ليعود الى وضعه الطبيعي وفي المكان نفسه في غير أوقات الذروة!.

لكن ما يهم استعراضه هنا هو سلسلة من الشائعات المتعلقة بالقفل والمفتاح رقم 61 والتي باتت بفعل عدم الشفافية الى مصدر وحيد ومتاح لتلقف أخبارهما. لا من أجل تأكيدها كحقائق لا تقبل الشك، بل للالتزام بنقلها أمام القراء المهتمين أملا برفع أستار السريّة على جزء يهم كل مسلم ومسلمة لتعلقه بقبلته الوحيدة الكعبة المشرفة.

الشائعات لا تحيط بدور د. السديس ورئاسة الحرمين فحسب، بل شملت أيضا مدينة العلوم والتقنية في محاولات ملحة لكسر طوق السريّة  المفروض على القفل والمفتاح خاصة أن بيدها الخيط والمخيط كونها هي التي تتولى تصميم وتنفيذ قفل المفتاح رقم 61 عن طريق فريق علمي كلف بهذه المهمة السرية!.

فهل صحيح أن مدينة العلوم والتقنية لجأت الى شركة مايكروسوفت العالمية للاستعانة بخبراتها التقنية في صنع طريقة مبتكرة لعمل القفل والمفتاح؟. وهل صحيح أن التصميم اشتمل على لوحة مزودة بأرقام سرية كخزائن المال والمجوهرات؟. وهل يمكن تصديق تزويد القفل بخاصية استشعار البصمة بطلب خاص من د. السديس ـ كما تقول الشائعة ـ كي توضع عليها بصمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟. أم أن القفل والمفتاح يعملان من خلال جهاز تحكم عن بعد تسهيلا لفتحه وإغلاقه؟.

كل ما سبق شائعات لا يمكن تصديقها كونها تخالف العقل والمنطق ووظيفة المفتاح نفسه، فضلا عن رمزيته وخصوصية من يحمله ويحفظ عنده بأمر من الله تعالى وبأحاديث صحيحة تربطه حصرا على كبير سدنة بيت الله الحرام.

وجرت العادة أن يوضع اسم الخليفة أو السلطان أو الملك الذي يتولى حكم المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة على بدن القفل أو المفتاح أو عليهما معا مع تاريخ سنة صنعهما لتبقى شاهدة طوال التاريخ على نيله هذا الشرف الرفيع.

فما هو سرّ المفتاح رقم واحد وستين؟. وهل سيكشف النقاب عن معلومات أكثر من مجرد صورتين، بعد نحو 4 سنوات من الدراسات والأبحاث والتصاميم والتنفيذ ليتم تركيبه في منتصف شهر المحرم القادم 1435هـ خلال مراسم غسيل الكعبة المشرفة بعد انقضاء موسم الحج الحالي؟.

الله وحده، والراسخون في العلم فقط ـ في رئاسة الحرمين ومدينة العلوم والتقنية ـ هم من يملكون حصرا الإجابة الشافية عن لغز المفتاح رقم 61 لباب الكعبة المشرفة!.

غدا.. جزء آخر يتعلق بتاريخ أبواب الكعبة ومفاتيحها ولماذا لا يحتفظ السّدنة بنسخ منه؟!

الاثنين، 30 سبتمبر 2013


النسخة الكاملة لحوار سادن الكعبة المشرفة مع مزيد من صور اللقاء

كبير سدنة بيت الله الحرام يفتح قلبه لـ "العرب":

إذا كان السديس يريد سدانة الكعبة فليتقدم!



* كشف قصة تذويب صلاحيات وظائف السدانة وحقوقهم الشرعية..
   وقال: هي لنا خالدة تالدة لا ينزعها الا ظالم!


* السديس يتحدث عن قفل تقني للباب.. هل يريده بريموت كنترول ليفتح الكعبة عن بعد!












 
 









صورة حصرية - سادن بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر بن طه الشيبي
 ينظر الى مفاتيح سدانة الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام
 
الشيخ عبدالقادر الشيبي خلال حواره الذي يضع
 النقاط على حروف قضية القفل الجديد لباب الكعبة المشرفة

جدة: عمر المضواحي

كان وجه الرجل يعكس ملامح حنق وغضب كامنين. وظل يحاول رسم بسمة ترحيب بضيوف يراهم أول مرّه. جاء الى صالون بيته يتهادى على ساعد أكبر أبناءه عبدالله. كانت قدماه بالكاد تحمل سنواته السبعين. وقفنا لمصافحته وهو يمدّ يمينه التي غسلت باطن وأعتاب الكعبة المشرفة مرارا وتكرارا. فاح العود والبخور، والورد والعطور، وكلّ أريج الكعبة.


إتخذ كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالقادر الشيبي مجلسه في أقرب كرسي من باب الدخول. كان صدره يغلي كمرّجل وهو يردد: لم يبق لنا غير المفتاح.. لم يبق لنا غير المفتاح!.


ظل صامتا لبرهة قصيرة وهو يحاول إطفاء غضبه مرارا برشفات من كأس عصير بارد. وكنا نراقبه وهو يفتح ستائر قلبه وروحه ليستحضر سكيّنة الهدوء وهي تخيم على حواسه الخمسة.عرفنا معا ونحن نتمعن في ملامحه العربية ماذا تعني عبارة قهر الرجال!.


فجأة.. التفت مبادرا بالسؤال: هل عرفت ما صنع السديس!. أجبته لهذا أتيت، فما صنع د. السديس؟!.


لمعت إبتسامة في وجه السادن قبل أن يشير بسبابته للسماء: تصدق بالله، لم يحدث قطّ أن وقف غير أسلافي السّدنة موقفه على أعتاب باب الكعبة. ولا أعرف ما هو قفل باب الكعبة الجديد، ولا طريقة عمل مفتاحه. ظللت افكر طويلا بالأمر، مدينة العلوم والتقنية ورئاسة الحرمين؟.. ثم تساءلت هل هو بتقنية البصمة أم بأرقام سريّة مثلا؟!. ربما سيكون مفتاح "السديس" مزودا بتقنية تحكم خاصة "ريموت كنترول" ليفتح باب الكعبة عن بعد؟!.


ضحكنا جميعا.. وأيقنت أنه حان وقت الأسئلة وبدء الحوار:



غضبة مضريّة

س. ما وراء غضبتك المضريّة هذه على الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؟

تكرر استفزاز الرجل لنا بلا سبب نعرفه. ومسّ خصوصية وظائف سادن البيت الحرام مرّة تلو أخرى. أحسنا الظن مرات و مرات، واستغربنا جرأته وتماديه مرات أخرى. لكن أن يصل الأمر الى وقوفه على أعتاب الكعبة، فهذا كثير ولا ينبغى علينا السكوت عنه. لقد وصل الى صميم يقيننا نحن السّدنة من آل شيبة، أن السديس يعمل على إخلاء وظيفة سدانة الكعبة المشرفة من جميع واجباتها، وجعلها تختصر على حمل مفتاحها لا أكثر!.

س. لعل له عذرا وأنت تلوم؟.

أي عذر تتحدث عنه. هل السديس لا يعرف مهام ووظائف رئاسة الحرمين وهو رئيسها العام؟ ألم يقرأ أول بند في قرار إنشاء الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؟ ألم يفهم بوضوح أن البند الأول ينصّ صراحة باستثناء وظائف سدانة الكعبة وإخراجها من كل موضوعات مهام الرئاسة وصلاحياتها وأعمالها؟.

أيضا، ألم يقرأ وهو رجل دين وعلم ومنصب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم  في فتح مكة وقف بين عضادتي باب الكعبة، حيث وقف السديس، فقال النبي: "ألا كل دمٍ أو مالٍ أو مأثرةٍ كانت في الجاهلية فهي تحت قَدَمَيَّ هاتين إلا سقاية الحاجّ وسدانة الكعبة؛ فإني قد أمضيتهما لأهلها على ما كانت عليه؟".

ما قام به السديس تجاوزا ليس لأمور شرعيّة فحسب؛ بل ولأخرى تنظيمية وإدارية تحمل إمضاء ولي العهد السابق الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله بصفته الرئيس العام للتنظيم الإداري للحكومة السعودية.

س. هل بينكم وبين د. السديس خلاف سابق؟

لا والله أبدا. ليس بيني وبين الرجل شيء. ولم اقابله سوى مرة واحدة فقط عندما حضرت حفل تسليم كسوة الكعبة المشرفة في غرة شهر ذي الحجة العام الماضي.

وللعلم أيضا أنا متولي سدانة البيت الحرام منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك كان محضر تسليم الكسوة ممهورا بإسم إبن عمي د. صالح الشيبي وكيل عمي السادن السابق عبدالعزيز رحمه الله لا باسمي كما هو معتاد مع السدنة الأحياء. ومع ذلك لم أكترث لا بقليل أو كثير. سمحت لإبن عمي صالح بالتوقيع على محضر الإستلام، ثم استلمت أنا كسوة الكعبة وكيس مفتاحها من يد السديس نفسه، ووقفت على يمينه وأخذت لنا الصور الفوتوغرافية بهذه المناسبة السنوية.

مباركة ولي الأمر

س. هل يعني ذلك انه لم يتم ترسيمك بشكل رسمي ككبير لسدنة بيت الله الحرام حتى الآن عند استلام الكسوة؟

لا. الدولة لم تتدخل يوما في هذا الامر. نحن نتوارث السدانة في الجاهلية والإسلام وحتى اليوم. الآن أنا الأكبر سنا في عائلة آل الشيبي. ونحن نتّبع العرف الذي أمضاه النبي صلى الله عليه وسلم بتسليمها كابرا عن كابر من آل إبن أبي طلحة.


س. كن، كيف تقوم بمهامك وصلاحياتك من دون أي اعتماد رسمي لتوقيعك من الدولة؟

لم نتعود أن يتم ترسيم السادن من قبل الدولة. لان هذه ولاية نتولاها كابرا عن كابر. لكن جرت العادة أن يرفع لولي الأمر أن السدانة انتقلت بعد وفاة أي سادن الى الذي يليه، ويباركها ولي الأمر بتعميد الجهات المختصة.

وكلاء السادن في الرئاسة

س. لماذا لم تبادر بالإتصال على د. السديس لفهم اسبابه ولملمة تطورات قضية القفل في أضيق نطاق ممكن؟

لا لا لا.. لم ولن أتصل بالسديس. ولماذا أتصل به. إذا كان لديه تعميدا من الملك حفظه الله بصنع قفلا جديدا لباب الكعبة فهل يعقل أن أتصل به أنا لأسئلة عن تعميد لم أعرف بصدوره. أم من الواجب عليه هو أن يتصل بنا ليبلغنا بصدور التعميد السامي لو حدث ذلك؟. علما أنه لدي كسادن أربعة وكلاء رسميين مسجلين في رئاسة الحرمين منهم د. صالح الشيبي، ومع ذلك لم يبلغ أي أحد منهم بخصوص القفل الجديد، وقد استفسرت منهم فردا فردا بشكل مباشر.

هل يعقل أن السديس أو أي مسئول في الرئاسة لم يجدوا دقيقة واحدة فقط لإشعارنا وإطلاعنا على أمر القفل والمفتاح الجديد منذ لحظة التفكير فيه وحتى صناعة نموذج أولي لتصميمه بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية هناك في الرياض، مع ملاحظة أن بيتي في مكة على مسافة أمتار من قصره في حي العوالي.

خلل المفتاح

س. يقال أن مفتاح الكعبة الحالي فيه خلل ما أو عيوب تصعّب عملية فتح بابها إلا بمشقة على يد السادن. ما صحة هذه الرواية أيها السادن؟

أبدا غير صحيحة على الإطلاق. أنا حامل مفتاح الكعبة وهو في حوزتي الآن. ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن عصلج (واجه مشكلة) في يدي عند فتح باب الكعبة. هذا كله كذب وإفتراء لا اساس له. لو كان في المفتاح عيّب أو خلل، لبادرت شخصيا بطلب تجديده من المقام السامي كما جرت العادة في كل احتياجات خدمة الكعبة المشرفة ظاهرا وباطنا.

ترميم بناء الكعبة

س. هل  الخلاف حول القفل الجديد هو الأول من نوعه لباب الكعبة المشرفة؟

نعم، هذه اول مرة تحدث فيما يتعلق بمفتاح الكعبة. ومنذ ستين سنة وأنا لا اذكر أن حصل مع والدي أو أعمامي السدنة مثل هذا الموقف أبدا. هناك حدث واحد أذكره جيدا مع عمي السادن عاصم الشيبي رحمه الله. ملخصه أنه في إحدى المناسبات الرسمية شعر باهتزاز الباب ككل لا المفتاح في جدار بناء الكعبة فقام على الفور برفع ملاحظة عاجلة الى الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله حول الموقف الذي حدث له للنظر فيه بما يراه المقام السامي.

بعد زمن قصير استدعى الملك فهد كبير السدنة وجمعا من كبار أسرة آل الشيبي للقائه في المدينة المنورة آنذاك. كنت ممن حضر اللقاء الخاص. حيث قام الملك فهد يومها بإطلاعنا على مقاصده وأنه أصدر توجيهاته السامية بترميم شامل لبناء الكعبة المشرفة (بعد مرور نحو 400 عام على البناء القديم الذي قام به السلطان مراد الثاني في عهد الدولة العثمانية سنة 1040 هـ)، ووجه بإحضار الرسومات والخرائط الموضحة لإطلاعنا على كل تفاصيل المشروع قبل البدء في تنفيذه.

أبواب حِجّر إسماعيل

س. في شهر مايو الماضي قامت رئاسة شؤون الحرمين بوضع بابين على مداخل حِجّر إسماعيل عليه السلام. وفي أغسطس الفارط تم تجديد فوانيس الحِجّر وطلائها بماء الذهب هل تم إشعاركم بهذه المهام التي تدخل في حياض وظائف السّدانة؟

لا لم يحدث قط،. وحِجّر سيدنا إسماعيل عليه السلام جزء أصيل من الكعبة المشرفة كما يعلم الجميع.

لكن في موضوع وضع أبواب على الحِجّر ينبغي التوضيح. فكما نعرف حقوقنا ووظائفنا، نعرف أيضا ماذا علينا من واجبات. نحن كسدنة البيت العتيق لا نتصرف من تلقاء أنفسنا، أو بنوازع مكارهة أو تحبب لمصالح او جلب منفعة في قيامنا بوظيفتنا الدينية التي شرفنا الله ورسوله بحملها خالدة تالدة الى يوم القيامة.

فالحجر فيه حديث نبوي واضح روي في الصحاح عندما طلبت السيدة عائشة أم المؤمنين من النبي دخول الكعبة مساء. فأجابها صلى الله عليه وسلم بقوله "إإذني قومك ـ يعني بني شيبة ـ فإن أذنوا لك فأدخلي". فذهبت السيدة عائشة رضي الله عنها الى إبن أبي طلحة ليفتح لها باب الكعبة. فأجابها: ما لنا عادة أن تُفتح الكعبة بليل. ولكن إذا أمرنا رسول الله فعلنا ـ وهنا الشاهد الذي نستند عليه كسدنة بحق ولي الأمر بفتح الكعبة متى شاء .

فعادت وأبلغت النبي بالأمر، فلم يرضى عليه السلام بأن يأمر السادن كي لا تكون عادة. فقام وأخذ بيدها فادخلها الحِجّر. وهذا دليل صريح على أن دخول حِجّر إسماعيل يتم بدون استئذان السدنة من بني شيبة. وقال لها صلى الله عليه وسلم " صلي هنا فإنه جزء من الكعبة".

ويستفاد من هذا الحديث أن حجب الناس عن الدخول لحِجّر اسماعيل ليس من حق أهل السدانة كدخول الكعبة،. بل من الواجب تركه للناس وأداء صلاة النافلة فيه. وهنا كان يجب على السديس والرئاسة أن لا تضع بابين له، ويمنع المسلمون من حق التعبد فيه في أي وقت شاءوا في ليل أو نهار ماعدا وقت الصلوات الخمسة.

صيانة الحجر الأسود

س. قبل أسابيع تم تناقل مقطع فيديو في موقع اليوتيوب يصور عملية صيانة وتلميّع للحجر الأسود على يد إبن شيخ صاغة مكة فيصل بن أحمد بدر. وأيضا من دون أن يظهر في المشهد حضور أي شخص من سدنة الكعبة.. هل تم إبلاغكم؟

أيضا لم يبلغنا أحد بهذا الأمر كالمعتاد، وهي تصرفات لا نعلم عنها أبدا، الا بعد أن تحدث وتشاع بين الناس. أما أن يحدث شيء عند الكعبة ولا يعلن عنه رسميا أو نبلغ فيه فبالتأكيد لن نعرفه.

إحرام الكعبة

س. في حج العام الماضي إمتنعت رئاسة الحرمين من إمضاء عادة إحرام الكعبة، قبل أن تعود هذا العام الى ما كانت عليه سابقا. ماهو تفسيركم لقرار المنع والعودة منه؟

سمعت ولست متأكدا، أن السديس أيضا هو من رفض إحرام ثوب الكعبة جريا على هذه العادة التقليدية في كل مواسم الحج منذ القدم لمنع الحجاج من قص أجزاء منها. وقيل أنه رأى بعدم صحة هذه العادة. في السابق كانت تتم عملية تغيير الكسوة القديمة بالجديدة تحت إشراف كامل من السدنة، بالتعاون مع إدارة الحرم المكي قبل أن تتطور الى رئاسة شؤون الحرمين.

طبعا تغير الحال وسحبت الرئاسة هذه الصلاحية أيضا. فهي الآن التي تقوم بتركيب الكسوة والإشراف على عملية تغييرها في شكل كامل، بينما يتولى السادن يومها بفتح باب الكعبة فقط بهذه المناسبة.

قفل الملك عبدالله

س. كم قفلا لباب الكعبة المشرفة. هل صحيح أن له قفلان داخلي وخارجي. وماذا عن القفل الجديد الذي أمر به الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتم تركيبه بيد الأمير خالد الفيصل في منتصف شهر محرم الماضي وتسليمكم مفتاحها الآخر كما نشر في الصحف؟

لا، هذا موضوع آخر يحتاج الى توضيح. وصاحبه لغط غير صحيح. القفل الداخلي الجديد الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله هو لباب التوبة الصغير المؤدي الى السطح من داخل جوف الكعبة. قديما كان محله ستارة خاصة به فقط، ثم في ترميم الملك فهد الشامل لبناء الكعبة صُنع بابا خاصا بديلا عن الستارة، ولم يكن للباب الجديد (مساحته بمقاس واحد على ثمانية من باب الكعبة الرئيس) قفلا خاصا به.

ولما دعت الخشية أن يقفل باب الكعبة الرئيسي مع نسيان وجود شخص في السلم المؤدي الى سطحها، قام عمي السادن عبدالعزيز الشيبي بوضع قفل عادي عليه احترازا من نسيان أحد داخل جوف الكعبة. وعندما علم الملك بذلك أمر حينها بعمل قفل جديد صنع من الذهب على نفقته الخاصة لباب التوبة الداخلي. وبالفعل تم تركيبه في منتصف شهر محرم الماضي وتم تسليمي مفتاحه بعد تركيبه بحضور أمير مكة. أما باب الكعبة الرئيس فليس له سوى قفل خارجي، ومفتاح واحد فقط.

نعامل بالمكارهة

س. هل ترون أن هذه التدخلات المتكررة على وظائف كبير سدنة بيت الله الحرام وواجباته مقصودة تجاهك شخصيا من رئاسة الحرمين؟

لقد تعودنا مثل هذه التصرفات من رئاسة الحرمين في عهد السديس، الى درجة أصبحنا نراها طبيعية. ولا يمكن تفسيرها الى أنها من باب "المكارهة" لأسرة آل الشيبي وكبير سدنة بيت الله الحرام. ربما بعض المسئولين فيها يعتقدون أن وظيفة سدانة الكعبة المشرفة هي وظيفة دنيوية لا دينيّة متشرفين بها آل شيبة كابرا عن كابر. وأنه بالضغط المستمر عليهم من الممكن أن يتقدموا بطلب التقاعد والإحالة على المعاش!.

وأود هنا أن اشير الى نقطة مهمة، وهي أن علاقتنا كسدنة لبيت الله الحرام مع رئاسة شؤون الحرمين وتعاملنا معها محصور في أمرين إثنين فقط. الأول إستلام شيك منها بقيمة تعويض لكسوة الكعبة المشرفة بمبلغ مليون ريال سنويا فقط. قبل أن اتولى توزيعها على أكثر من 400 فرد من أسرة آل الشيبي بواقع 2500 ريال فقط لكل شخص أي 208 ريالات شهريا.

ومن المعروف تاريخيا أن كسوة الكعبة كانت بالكامل للسادن، وكان السدنة يقومون ببيعها والاستفادة من ثمنها، الآن نحن لا نبيع قطع كسوة الكعبة، ولكنها متوفرة في الأسواق لمن يريدها.

والعلاقة الثانية مع الرئاسة هي باستلام قيمة شراء مستلزمات مراسم غسيل الكعبة (مرتان في كل عام) وفق فواتير مفصلة للمشتريات ثم نقدمها لرئاسة الحرمين لدفع قيمتها وهي عادة لا تتجاوز مبلغ 75 ألف ريال فقط. هذا كل ما يتعلق بعلاقتنا مع رئاسة شؤون الحرمين. أما من جانبها فحدث ولا حرج من التدخلات ونزع الصلاحيات ومنع الحقوق الخاصة بوظائف كبير السدنة أو العامة لأسرة السدنة من آل الشيبي وهي أكثر من أن تحصر. وقد رفعنا لأولياء الأمر في قيادتنا الرشيدة تفصيلا بكل شيء، ونأمل النظر فيها والتوجيه بما يراه المقام السامي.

فحوى البرقيات

س. ماذا كان فحوى البرقيات اللتي قمتم برفعها للملك عبدالله وولي عهده وأمير مكة؟

رفعنا توضيحا لما حدث حسب وجهة نظرنا، فمن المعروف بشكل لا لبس فيه أن الحرم المكي يتبع الكعبة المشرفة لا العكس. وأننا قرأنا في مواقف وتصرفات السديس تعديا على حقنا غير المنازع عليه. وبأننا لا نعلم عن هذا الامر شيئا. كما أقترحنا فيها تشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء لأخذ رأيهم في الوظيفة الدينية التي يحملها سدنة الكعبة من آل الشيبي وحصرها فيهم. وبيان أنها وظيفة مستقلة ومنفصلة عن دور ووظائف وصلاحيات رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، حتى لا تختلط الأمور والوظائف بينهما.

آية بني شيبة

س. شيخ عبدالقادر، لابد وأن سمعتم أو وقفتم للصلاة خلف إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس. ماذا يدور في ذهنك عندما يقرأ في إمامته للصلاة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وهي الآية التي نزلت فيكم وعنكم على وجه خاص في فتح مكة؟

أطرق برأسه قليلا،. ثم قال: ليس كل من يقرأ القرآن الكريم ينفذه. هناك دائما أناس أصحاب مصالح من الذين لا يراعون الحقائق الدينية حق المراعاة. ويحاولون دوما الالتفاف عليها بطريقة من الطرق. في اعتقادي أن خطوات مكارهة السديس المتتابعة لسدنة البيت العتيق، وآخرها ظهور صورته في الصحف وهو يحمل قفلا جديدا أمام باب الكعبة أعتبرها خطوة عملية لتأليف الناس شيئا فشيئا على واقع جديد. واقع ليس فيه شيئا إسمه سدانة الكعبة أو أسرة من بني شيبة. وهذا ما نشعر به الآن كسدنة لبيت الله الحرام.

تقاعس السدنة

س. عفوا يردد كثيرون أنكم لم تدافعوا كما يجب أمام تغوّل رئاسة شؤون الحرمين على صلاحياتكم ووظائفكم كسدنة للبيت العتيق، ويحملونكم كل المسؤولية عن تقصيركم. كيف تردون؟

الإنسان يدافع حسب طاقته وقدرته والظروف التي تحيط به. في الماضي القريب كانت إدارة الحرم المكي سابقا والتي تمثلها الآن رئاسة الحرمين، إدارة بسيطة في مبنى صغير. وكان أغلب الموظفين من بيت الشيبي. وكان لا يزيد عدد موظفي إدارة الحرم التي  كان يرأسها السيد عبدالقادر نائب الحرم، وقبله والده. عن 10 ــ 12 موظفا فقط من العائلات المعروفة في مكة.

وكانت جميع مسؤليات إدارة الحرم ينفذها شباب مكة، حتى عمال النظافة منهم وفيهم. الآن لو رأيت مبنى رئاسة الحرمين في مكة تصاب بالفزع من حجم أدواره ومساحة مكاتبه ومواقف سيارته وعدد موظفيه من خارج مكة. وبالرغم من كل ذلك، لا يوجد اليوم حتى موظف واحدا فقط من آل الشيبي في رئاسة الحرمين. وكلما يتقدم أبنائنا لها يتم إبعادهم بطريقة من الطرق تحول دون تعيينه. ولا نعرف والله سببا لكل هذه المكارهة.

لقاء السديس والسادن

س. بعد أيام، وفي غرة شهر ذي الحجة سيقام الحفل الرسمي لتسليمك الكسوة السنوية للكعبة المشرفة بصفتك كبير سدنة بيت الله الحرام من يد د. عبدالرحمن السديس. ماذا ستقول له عندما تلتقيان وجها بوجه وتتصافحان يدا بيد؟

إذا التقيت به خلال حفل تسليم ثوب الكعبة، سوف أحدثه بما في نفسي واستطلع منه حقيقة الأمر. يهمني معرفه مقاصده في تصرفه الأخير بالوقوف أمام باب الكعبة. وسوف أسأله عن سبب تهميشه المتواصل لوظائف سدانة البيت العتيق. وما إذا كان عنده رغبة خاصة بضمها إليه من دون لفّ أو دوران!.